وقفة تأمّل… حين لا ترى صينيًا ولا خليجيًا مغتربًا يتعذب… لكنك ترى اليمني في كل مطار!

تم النشر بتاريخ 17 نوفمبر, 2025

بقلم د. فيروز الولي

هل رأيت يومًا مغتربًا صينيًا تطارده الدورية وهو يبحث عن لقمة العيش؟
هل رأيته يحمل حقيبة رصاص بدل حقيبة لابتوب؟
هل رأيته يلف رأسه بعمامة ويمشي من تبة إلى تبة كأنه يبحث عن شبكة واي فاي؟
هل رأيته يقود موتر متهالك، وسلاحه أثقل من وزنه؟
هل رأيته شيخ قبيلة صيني ومعه عشرة مرافقين وسيارة “تصفر” تخوّف الحارة؟
هل رأيت عسكري صيني يوقف قاطرة ويقول:
“يا خبير… عاد معنا شيء نعشي به؟”

لا طبعًا.
الصيني ما عنده وقت للخراب…
مشغول يبني مصانع، أقمار صناعية، وجسور أطول من أعمار حكوماتنا.

وطبعًا، هل رأيت خليجيًا مغتربًا يتعذب؟
هل رأيته واقفًا أمام سفارة ينتظر فيزا؟
هل رأيته يهرب من بلده بحثًا عن لقمة العيش؟
هل رأيته في مطار ماليزيا يُسأل: “ليش جاي؟ وكم معك حق الفندق؟”

الخليجي ما يطلع من بلده إلا سياحة…
والصيني ما يطلع إلا استثمار…
والهندي ما يطلع إلا وظيفة محترمة…
واليمني يطلع هروبًا من كل شيء: من الحرب، من الفقر، من الفساد، من القهر، من القات… حتى من نفسه!

نحن 25 مليون نسمة،
وهو العدد نفسه تقريبًا لطلاب الثانوية في مقاطعة صينية واحدة.
وهناك يدرسون ليبنوا المستقبل،
وهنا نتخرج لنكون:
مقاتل – مرافق – شيخ – مسلح – مخزّن – محلل سياسي بالواتس – أو مغترب يشحت الاحترام.

الهند عندها 360 لغة و150 معتقد
ومع ذلك ما سمعنا واحد منهم يقول: “نحنا قبيلة أقوى من الدولة”.
ولا واحد منهم اعتبر القتل طريقًا مختصرًا للجنة.

أما نحن…
عندنا رب واحد، ونبي واحد، وقبلة واحدة، ولغة واحدة…
ومع هذا كل واحد يهدم في الثاني،
وكل جماعة تفتح لها جنة خاصة بها وتوزع بطائق دخول مجانية بالرصاص.

أمريكا فيها 55 ولاية،
وألاسكا أصغر ولاية لكنها أكبر من اليمن مساحة وسكانًا،
وكل أربع سنوات يتبدل الرئيس عبر نظام واضح وهادئ،
رئيس يأتي بخطط، لا بموكب ولا بجماعة ولا بثأر قديم.

أما نحن…
تسعة رؤساء طحنوا الوطن طحين،
وشعب يلعق الغبار ويبحث عن وطن بديل لأن الوطن الأصلي “انتهت صلاحيته”.

ورغم كل هذا…
جالسين نضحك على الصيني والياباني: “عيونهم صغيرة!”
والحقيقة:
عيونهم صغيرة… بس عقولهم أكبر من دول.
ونحن عيوننا واسعة… لكن عقولنا ضيقة مثل فتحة خزان السيارة.

خاتمة: وقفة للتأمل

في النهاية…
لسنا بحاجة أن ننظر إلى الصين ولا إلى الخليج ولا إلى أمريكا لنعرف سبب وجعنا.
نحتاج فقط أن ننظر إلى أيدينا:
واحدة تمسك مخزن… والثانية تمسك تلفون تشتم به،
ولا يد تمسك كتابًا، ولا عقل يمسك بزمام نفسه.

كل الأمم ركبت قطار التطور…
والهند والصين وصلوا للفضاء،
وأمريكا تتجول بين الكواكب،
والخليجي يبني ناطحات سحاب،
واليمني الوحيد… ما زال يتقاتل على نافذة مقوت.

هذه ليست مقارنة بيننا وبين الشعوب…
هذه مقارنة بيننا وبين نسخة أفضل كان يمكن أن نكونها لو استعملنا عقولنا ولو يوم واحد.

فإمّا أن نستيقظ…
أو نبقى كما نحن:
أمة تضحك على صغر عيون الآخرين… بعقول لا ترى أوسع من فوهة بندقية.

Left Menu Icon
الرئيسية