موريتانيا.. جسر العرب إلى إفريقيا وفرصة استثمارية في عصر التحوّل

تم النشر بتاريخ 31 أكتوبر, 2025

الخبير الاقتصادي السيد الخير عمرو

في قلب القارة الإفريقية وعلى شاطئ الأطلسي، تقف موريتانيا دولة عربية – إفريقية بامتياز، تمثل جسرًا طبيعيًا بين العالم العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، وتخفي تحت رمالها وإطلالتها البحرية إمكانات اقتصادية هائلة لم تُستغل بعد.
شعبها الطيب، المسالم، المتسامح، والذي يجمع بين الأصالة العربية والعمق الإفريقي، يمنح البلاد ميزة استقرار داخلي تجعلها محطّ أنظار المستثمرين العرب والدوليين.

الإمكانات والواقع الاقتصادي

موريتانيا، التي تمتلك مساحات شاسعة وثروات طبيعية (من الحديد، الفوسفات، الذهب، والنحاس، إلى الغاز الطبيعي الذي بدأ يظهر على الساحة الإقليمية)، لا تملك فقط الأرض والموارد، بل تملك رغبة واضحة في جذب الاستثمار من الشرق والغرب معاً.
الموقع الجغرافي المميز — المطل على المحيط الأطلسي، وقربها من غرب إفريقيا والعالم العربي — يجعلها بوابة مثالية للصادرات العربية نحو القارة الإفريقية، وبوابة للاستثمار العربي في سوق إفريقية واعدة.

التمويلات والدين الخارجي: قراءة مقارَنة بين العهدين

لنلقي الضوء على المؤشرات المالية الكبرى، خصوصاً الدين الخارجي (الدين العام الخارجي + التمويلات الدولية) في العهدين:

في عهد محمد ولد عبد العزيز (2008-2019) شهدت موريتانيا ارتفاعاً في مستوى الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي، فقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن الدين الخارجي الاسمي (بما في ذلك الدين العام والمضمون من قِبَل الحكومة) كان حوالي 110 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، ثم تقلّص إلى نحو 79.9 % في عام 2020.

في عهد محمد ولد شيخ الغزواني (2019-الحاضر) بدأت المؤشرات تتحسّن، ففي عام 2023 كان الدين الخارجي يُشكل تقريباً 43.18 % من الناتج المحلي الإجمالي.

أما الدين العام (الحكومي) فقد بلغ في 2023 نحو 48.2 % من الناتج المحلي الإجمالي.

كذلك، حجم الدين الخارجي الإجمالي بلغ حوالي 4.6 مليار دولار أمريكي في عام 2023.

من هذه المقارنة نستنتج ما يلي:

في عهد عبد العزيز: كان الاعتماد على الاقتراض الخارجي والتمويل الدولي أكبر نسبياً، والدين كنسبة من الناتج أعلى بكثير.

في عهد الغزواني: تسعى الدولة إلى ضبط الدين، خفض النسَب، وخلق بيئة أفضل للاستثمار لتقليل الاعتماد على التمويلات الخارجية.

رغم هذا التحسّن، فإن نسبة الدين ما تزال تحتاج إلى متابعة، ويُعدّ الدين الخارجي عامل مخاطرة إن لم تُواكَبها إصلاحات هيكلية وتنمية إنتاجية حقيقية.

ما يعنيه هذا للمستثمر العربي

انخفاض نسبة الدين الخارجي إلى الناتج يشير إلى أجواء مالية أكثر استقراراً، ما يعزز ثقة المستثمر العربي في التوجّه إلى موريتانيا.

وجود برنامج إصلاح مالي يجعل البلد أكثر قابلية للاستثمار طويل الأمد، وليس فقط استثمارات قصيرة الأجل.

ومع بوادر إنتاج الغاز، وتطوير التعدين، وتحسين بنية التصدير البحري، فإن الرهان على موريتانيا يصبح ذا جدوى مضاعفة.

إن المستثمر العربي الذي ينظر إلى موريتانيا كمحور للاستثمار؛ عليه أن يستفيد من هذه اللحظة: المكان، الوقت، الموارد، والاستقرار، كلها متوفّرة نسبياً.

رسالة ختامية

إن موريتانيا اليوم — أكثر من أي وقت مضى — تنادي بالشراكة. هي ليست فقط بلداً يمتلك الأرض والموارد، بل لديها شعب طيب، ثابت، مسالم، متسامح — هو منفتح على الآخر، ومؤهّل ليكون بوابة للعالَم العربي نحو إفريقيا، وللإستثمارات العربية نحو أسواق لم تُطرق بعد.
إن العهد الحالي يُقدّم “فرصة بدأ صعودها الاقتصادي” بإيقاع مختلف عن العهد السابق؛ فالديون تتراجع نسبياً، والفرص الاستثمارية تتعاظم، والاستقرار السياسي النسبي لا يزال عامل جذب.
ولذلك، ندعو المستثمرين العرب إلى النظر إلى موريتانيا ليس كدولة بعيدة أو هامشية، بل كقصة نجاح محتملة تنتظر الشريك العربي المناسب ليكتب فصولها.

Left Menu Icon
الرئيسية