تم النشر بتاريخ 15 أكتوبر, 2025
لؤي الكمالي
لم يعد هذا الجيل مجرد متفرج على العالم، بل أصبح قوة دافعة تعيد تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي عبر الكرة الأرضية. من كينيا إلى نيبال، ومن المغرب إلى بيرو، يثبت جيل زد أنه قادر على تحويل شاشات الهواتف إلى منصات احتجاجية فعالة، والساحات الرقمية إلى ساحات نضال حقيقية.
جيل زد هو الجيل المولود بين منتصف التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، ويُعرف بأنه أول جيل رقمي بالكامل في التاريخ. لم يعش هذا الجيل العالم قبل الإنترنت كما الأجيال السابقة، بل تربّى في بيئة رقمية مترابطة، حيث أصبح صوت الإشعارات بديلًا لأجراس المدارس، وأصبح الهاتف الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي امتدادًا لوجوده اليومي.
ما يميزهُ أيضًا وعيه الواقعي بالعالم، نتيجة نشأته في ظل أزمات متعددة مثل الأزمة المالية العالمية، والتغير المناخي، وجائحة كوفيد-19، إضافة إلى المعاناة اليومية التي يعيشها في مجتمعاته من فساد، وتردي الخدمات، وانعدام الفرص. هذا المزج بين البيئة الرقمية والوعي الواقعي، وبين المعاناة والقدرة على الصمود، شكّل لديهم قدرة فريدة على التأثير والتغيير، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي.
جيل لم يكتفي باستهلاك المحتوى الرقمي، بل منتج نشط له، قادر على تحويل الفكرة إلى فيديو مؤثر أو حملة على وسائل التواصل، مستخدمًا المنصات الرقمية كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي. نشأ على الواقعية العملية نتيجة الأزمات والتحديات اليومية، مما شكّل لديهم إحساسًا بالمسؤولية والحاجة للتغيير، وفي الوقت نفسه تغذي هذه التحديات طموحهم وقدرتهم على البحث عن حلول مبتكرة لمواجهة العقبات، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي.
في أنحاء مختلفة من العالم، خرج جيل زد من خلف الشاشات إلى الشوارع متحديًا الفساد وسوء الإدارة والغلاء، محولًا الغضب الرقمي إلى احتجاجات فعلية. في مدغشقر، اندلعت مظاهرات واسعة ضد انقطاع الكهرباء والمياه وتفشي الفساد، ما دفع بعض وحدات الجيش للانضمام إلى المحتجين. في نيبال، طالب الشباب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، محوّلين منشورات على إنستغرام وتيك توك إلى شرارة لحركة وطنية أطاحت بالنظام السياسي. في كينيا، استخدمت منصات التواصل لتنظيم مظاهرات سلمية ضد السياسات الحكومية امتدت من نيروبي إلى مومباسا، بينما شهدت إندونيسيا احتجاجات على الغلاء وسوء الإدارة. كما قامت بيرو وباراغواي والفلبين وتيمور الشرقية بحركات شبابية مماثلة، استخدمت الرموز الثقافية والميمات وقبعة القش _ ون بيس _ للتعبير عن رفض الفساد والمطالبة بالعدالة. وفي المغرب، خرج آلاف الشباب احتجاجًا على البطالة وغلاء المعيشة وتردي الخدمات العامة، حاملين شعارات موحدًة تعكس لغة واحدة في مواجهة الفساد والتهميش.
بعد أن أثبت جيل زد عالميًا قدرته على التغيير، يطرح السؤال الأبرز في اليمنهل هناك أمل حقيقي للخلاص؟ البلاد تعيش تحت وطأة صراعات مستمرة وانقسامات سياسية حادة، بينما الفساد مستشري على جميع المستويات، والسياسيون الكبار يحافظون على مصالحهم الشخصية بدل خدمة الشعب. تنهار الخدمات الأساسية، ويتدهور الاقتصاد، ويعيش المواطنون في حالة إحباط ويأس.
يبقى التساؤل هل يستطيع جيل زد اليمني مواجهة النفوذ المتجذر للسياسيين الكبار وصنع تغيير حقيقي؟ في هذا المشهد هل سيكون صوتهم الرقمي بداية لمرحلة جديدة من المشاركة والإصلاح، أم ستظل مصالح النخب حجر عثرة أمام طموحاتهم؟ الجيل الذي وُلد في قلب المعاناة، ويعرف حجم التحديات، لكنه يحمل إرادة لكسر الجمود وتحريك المياه الراكدة، كجيل يرفض الصمت، يراقب، يوثّق، ويطالب بالتغيير، مستخدمًا أدوات العصر الرقمي للتعبير عن غضبه وطموحه.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع