تم النشر بتاريخ 5 أكتوبر, 2025
لؤي الكمالي
بينما تعلن الأقمار الاصطناعية انتهاء الحرب في غزة، وتُغرد وكالات الأنباء بعودة النازحين إلى مناطقهم، وتبادل الأسرى، وبدء مفاوضات السلام، نعود نحن في اليمن إلى سؤالنا الأبدي، سؤال الحياة والموت. هل سيدور “الروليت” هذا الشهر؟ هل سيُصرف الراتب؟
في غزة، انتهت الحرب. في اليمن، تستمر حرب أخرى من نوع مختلف حرب الموظف الحكومي ضد الجوع، ضد الإيجار، ضد ديون البقال، وضد نظرات الأطفال المتسائلة عن سر غياب الطعام على المائدة. حرب لا تعلن عنها القنوات، ولا تتابعها الأمم المتحدة، ولا تحظى بوساطات دولية.
نحن ندخل الشهر الخامس ونحن نحمل نفس الأمل البائس نفسه ربما هذا الشهر. ربما بعد انتهاء الحرب في غزة تتفرغ الجهات المسؤولة لمشكلتنا. ربما تذكرت أن هناك بشراً يعملون ويستحقون أجراً.
لكن الحرب في غزة انتهت.. والراتب لم يُصرف.
المفارقة تكمن في أن معاناة غزة حظيت بتضامن عالمي وساعات بث مباشر ومساعدات إنسانية، بينما معاناة آلاف العائلات اليمنية تمر في صمت مطبق. لا كاميرات، ولا تقارير، فقط همسات اليأس التي تتناقل بين الموظفين: “ما بش توقعات”، “الأوضاع صعبة”، “ما في سيولة”.
وفي قلب هذه الأزمة، يقف مسئول واحد يجمع بين منصبي رئاسة الوزراء ووزارة المالية، الدكتور سالم بن بريك، في سابقة تاريخية كان من المفترض أن توحد القرار وتسرع الحل. لكن يبدو أن انفراد شخص واحد بالسلطة لم ينتج عنه إلا انفراد الجميع بالمعاناة.
اليوم، لم يعد هناك خيار للصبر وحده. لم يعد كافيًا الاعتماد على وعود معلقة، أو على انتظارات خارجية. الإضراب والعصيان المدني السلمي أصبحا أداة مشروعة للضغط على الجهات المسؤولة، ليس لإحداث فوضى، بل لاسترجاع الحق، ولإعادة الكرامة المهدورة. يجب أن يعلم الجميع أن الموظف الجائع قادر على رفع صوته سلمياً، على التوحد في موقف جماعي يحمي الحقوق ويجبر السلطة على الالتزام بما هو واجب.
الرواتب في اليمن ليست رقماً في ميزانية، بل هي شبكة أمان لكرامة الإنسان. انقطاعها يعني انهيار طبقات كاملة من المجتمع إلى براثن الفقر المدقع. وهو انهيار صامت، لا دوي للقنابل فيه، لكن تأثيره لا يقل تدميراً.
السؤال الآن ليس متى ستنتهي الحرب في مكان آخر، بل متى ستبدأ معركة إنقاذ الكرامة هنا؟
انتهت الحرب في غزة.. فهل يبدأ السلام في بيوتنا؟
انتهت الحرب في غزة.. فهل نستحق نحن أن نعيش؟
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع