تم النشر بتاريخ 4 أكتوبر, 2025
تحليل: حمدي ثابت
قرار حماس بالموافقة على الإفراج عن الأسرى وفق مقترح ترمب، والدخول في مفاوضات عبر الوسطاء، لم يكن لحظة ضعف أو انكسار كما يروّج البعض، بل خطوة في قمة الدهاء والذكاء السياسي. هذه الحركة المحسوبة بدقة تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: تكسب الشرعية الدولية، تحافظ على الكتلة الشعبية، وتظهر إسرائيل كطرف محاصر سياسياً وأخلاقياً.
من يقرأ المشهد بسطحية قد يظن أن حماس تراجعت أو تنازلت، لكن في العمق يتضح أن إسرائيل وقعت في مصيدة استراتيجية. فإذا تحقق هذا الاتفاق، فإنها تكون قد ساهمت بنفسها في إعادة إنتاج حماس كجزء من السلطة الفلسطينية، ومنحتها ممرًا شرعيًا جديدًا، ليعود الخطر الذي سعت لاجتثاثه بصورة أقوى وأكثر قبولاً على المستوى الدولي.
ما يبدو للبعض هزيمة أو استسلام ليس إلا إعادة تموضع ذكية. حماس تنتقل من حركة محاصرة إلى مكوّن سياسي معترف به، وتذوب بشكل منظم داخل مؤسسات السلطة والدولة، فيما تتحول المقاومة من عبء دولي إلى ورقة قوة فلسطينية–إقليمية. وهكذا يصبح ما يُصوَّر على أنه تنازل علني بمثابة انتصار استراتيجي ستجني ثماره الحركة وشعب فلسطين في المستقبل القريب.
هذا التحول لم يكن قرار حماس وحدها، بل ثمرة تفاهمات واسعة بين دول عربية وإسلامية. فمصر وقطر لعبتا دور الوسطاء الرئيسيين، بينما برزت تركيا وإيران كداعمَين لمعادلة المقاومة، في حين شاركت السعودية والإمارات بدور داعم للاستقرار ومنع الانفجار. ما يحدث إذن ليس مبادرة فلسطينية معزولة، بل مشروع إقليمي–دولي لإعادة صياغة غزة وإدارة واقعها الجديد.
الحديث عن نهاية حماس ليس سوى وهم سياسي. فالحركة لن تزول، لكنها ستتحول. قد يتغير اسمها وشعارها، لكن كتلتها البشرية والفكرية ستبقى حاضرة وموزعة داخل السلطة والأجهزة الرسمية، لتصبح جزءًا من المعادلة الفلسطينية لا مجرد حركة مقاومة منفصلة. إنها لعبة ذكية في قمة الدهاء، فحماس اليوم لا تخسر، بل تعيد إنتاج نفسها بغطاء عربي وإسلامي واسع. وإسرائيل التي ظنت أنها على أبواب نصر سياسي وعسكري تجد نفسها أمام الفخ الأكبر: شرعنة حماس وتحويلها من خصم معزول إلى لاعب شرعي ضمن النظام الفلسطيني والإقليمي. بهذا المعنى، قد يكون هذا التحول أعظم انتصار استراتيجي للحركة ولشعب فلسطين بأسره…..
صحيح أن حماس وغزة دفعتا ثمنًا باهظًا من دماء وآلام ودمار شبه كامل، لكن على المدى البعيد يتحول هذا الركام إلى أرضية لولادة الدولة الفلسطينية كأمر واقع. ما بدا خسارة آنية هو في جوهره ربح استراتيجي، حيث تكسب الحركة وغزة وشعب فلسطين مستقبلًا أثقل حضورًا وشرعية أقوى في معادلة المنطقة.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع