حماية ذاكرة الثورة.. قبل أي احتفال فرض واجب

تم النشر بتاريخ 29 سبتمبر, 2025

بقلم / لؤي الكمالي

بينما يحتفل اليمنيون بذكرى ثورة 26 سبتمبر الخالدة، نجد للأسف أصواتًا نشازًا تحاول طمس معاني الثورة ورموزها، بل اظهرت الأحقاد حتى في تفاصيل صغيرة مثل أسماء الشوارع. تركوا كل معالم المدينة، وركزوا على شارع جمال عبد الناصر، الذي ظل لعقود شاهدًا على ارتباط اليمن بثورة عربية كبرى، وعلى الدور العظيم الذي لعبه الزعيم المصري في دعم اليمنيين ضد الاستبداد الإمامي.

ولكي نكون منصفين، لا أحد يقلل من رمزية المناضلة افتهان المشهري التي خدمت الوطن بصدق وإخلاص. أمثالها قلة، والذين يعملون للوطن لا يبحثون عن شهرة أو تكريم شخصي، تمامًا كما فعل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو حين أوصى بعدم إطلاق اسمه على أي مؤسسة أو شارع بعد رحيله، لأنه كان يعمل من أجل الشعب لا من أجل نفسه. أما الذين يتاجرون بالوطن فيحولون كل منجز إلى غنيمة حرب، ويزرعون الطائفية لتحقيق مصالحهم الضيقة.

الحديث عن ثورة ٢٦ سبتمبر ليس استحضاراً للماضي فحسب، بل هو وقفة أمام مرآة الحاضر، نرى فيها انعكاسات مبادئ الأمس وواقع اليوم. ما أشرت إليه من تغيير اسم شارع جمال عبد الناصر ليس مجرد تغيير لافتة، بل هو جزء من معركة الذاكرة والهوية، حيث تتصارع روايات مختلفة على تشكيل وعي الأجيال.

ثورة ضد الطائفية لا باسم الطائفية كما يحاول البعض الترويج لها، الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن ثورة سبتمبر لم تقم باسم طائفة أو مذهب، ولم تكن حربًا بين زيود وشوافع، بل كانت انتفاضة شعب كامل ضد حكم إمامي كهنوتي جثم على صدور اليمنيين قرونًا.

لعل أول ما يجب تأكيده هو الطابع الوطني الجامع لثورة ٢٦ سبتمبر. النظر إلى قادة الثورة وأبطالها من خلال الانتماءات المناطقية أو المذهبية هو تشويه لروحها الأساسية. لقد كانت الثورة انتفاضة شعبٍ بأكمله ضد نظام إمامي استبدادي، لم يميز بين اليمنيين على أساس المنشأ أو المذهب.

انظروا إلى هذه القائمة المباركة من الأسماء التي سطرت أولى فصول الثورة:

من صنعاء: محمد محمود الزبيري، وعبدالله السلال.
من إب: القاضي عبد الرحمن الإرياني.
من تعز: أحمد علي العديني، وتحفة حُبل الشرعبية، أحمد محمد نعمان.
من الضباط الأحرار من مختلف المناطق: علي عبد المغني، وزيد الموشكي، أحمد الشراعي، وعشرات غيرهم.

ثم انظر إلى تلك المجموعة الأولى والثانية والثالثة في صنعاء وتعز والحديدة من الضباط المؤسسين، “القاعدة التأسيسية”، التي ضمت أسماء مثل صالح الأشول، ويحيى جحاف، وعبد الله المؤيد، وحسين الكبسي. هذه الأسماء تنتمي إلى ما يُعرف بـ “السادة”، لكنهم آمنوا أن الحرية والعدالة حق لجميع اليمنيين، فانحازوا لشعبهم ضد امتيازات طبقتهم. هذا هو المعنى الحقيقي للوطنية، أن تضع مصلحة شعبك وعدالة قضيتك فوق أي انتماء ضيق.

لقد جاءت الثورة بأهداف وشعارات عظيمة كانت تعبيراً صادقاً عن تطلعات الشعب اليمني، لكنها تتحول اليوم إلى أقلام وأعلام وترندات تطمس ملامح ثورة سبتمبر، إن من يحاول اليوم حصر الثورة في صراع مذهبي أو تصفية حسابات سياسية إنما يجهل دهاليز سبتمبر ولا يعرف جوهرها.

إن الذين يروجون اليوم لرواية طائفية للثورة أو للتاريخ اليمني، إنما يخونون روح الثورة الحقيقية ويحولونها من ملحمة وطنية إلى نزاع مناطقي أو مذهبي لإلهاء الشعب عن المطالبة بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

الثورة لم تكن مجرد تاريخ في كتاب، بل هي مشروع وطني ما زال ناقصًا لم يكتمل بعد.
ولذلك، فالأجدر بالشعب أن لا ينشغل بتغيير أسماء الشوارع، بل أن يسأل:

هل تحققت أهداف الثورة الستة؟
هل تساوى اليمنيون أمام القانون؟
هل بُني جيش وطني يحمي الشعب لا يحكمه؟
هل نال المواطن حريته وكرامته؟

إذا كانت الإجابة “لا”، فهذا يعني أن سبتمبر ما زال ثورة مؤجلة تنتظر شعبًا ينهض ويصحح المسار.

الاحتفال بذكرى سبتمبر ليس مجرد رفع أعلام وإلقاء خطاب. الاحتفال الحقيقي هو:

تصحيح المسار: بالعودة إلى الأهداف الستة الأصلية ومراجعة أسباب إخفاقنا في تحقيقها.
استلهام الروح: روح الوحدة الوطنية التي جمعت الزيدي والشافعي، والصعدي والتهامي في خندق واحد.
تقدير القيم لا الأسماء: تقدير قيمة “العمل من أجل الوطن”.
معرفة التاريخ الحقيقي: معرفة أن الثورة لم تكن حدثاً عابراً، بل كانت نتاج تراكم نضالي طويل، رسم الطريق الثلايا وخاضه رجال مثل الزبيري وعبد المغني والموشكي في دهاليز السرية والتخطيط، بعيداً عن الأضواء.

Left Menu Icon
الرئيسية