جميعهم في السلطة.. فمن يقف مع الشعب؟(قراءة في التغيير الممنوع)

تم النشر بتاريخ 30 أكتوبر, 2022

الشراكة في السلطة كانت هدفا من اهداف الثورات الشعبية السلمية، والهدف من ذلك الابتعاد عن الاقصاء والاستبعاد الذي ساهم في زعزعة الاوضاع في البلد، ووضع العقبات امام احداث التغيير وتحقيق الاستقرار.

لكن وجود الاحزاب والمكونات السياسية اليوم في شراكة داخل الحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي، جعل الشارع يخلو من حركة معارضة قوية ومنظمة تنافح وتدافع عن تطلعات الشعب، الذي يعاني ازمات عديدة ومركبة اقتصادية ومعيشية وامنية واجتماعية.

لقد صمتت الاحزاب منذ التحاقها بالسلطة بعد ثورة فبراير 2011 عن الدفاع عن حقوق الناس، وتماهت مع استشراء الفساد والبعث داخل مؤسسات الدولة، وسخرت اعلامها وادواتها للدفاع عن السلطة الفاشلة، على عكس ماكانت تفعله ايام حكم الرئيس السابق علي صالح وحزب المؤتمر، وهذا بدوره اضعف قوة الصوت المعارض الذي برز في الشارع حينما انحرفت سلطة هادي عن اهداف الثورة ومشروع التغيير.

ومنذ ثلاث سنوات توسعت الشراكة في الحكومة الشرعية، بعد دخول المجلس الانتقالي شريكا فيها بخمس حقائب وزارية الي جانب الاحزاب الرئيسية في البلاد، ومنذ 7ابريل 2022 اصبحت الشراكة اكثر توسعا عند اعلان المجلس الرئاسي من ثمانية اشخاص رئيس وسبعة اعضاء يمثلون احزاب ومكونات سياسية من بينهم المجلس الانتقالي الجنوبي،فضلا عن ولاءهم لدولتي التحالف المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة.

عانى الشعب خلال السنوات العشر الماضية من اوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، وصلت الي ذروتها بعد تحرير عدن من تحالف صالح الحوثي في يوليو 2015 ، وخلال السبع السنوات التي مضت من زمن التحرير شهدت العاصمة عدن ترديا كبيرا في الخدمات، وارتفاع ترمومتر الغلاء، حيث شهدت السلع الغذائية والاستهلاكية ارتفاعا كبيرا في الاسعار مما ساهم في تعقد الحالة المعيشية للناس، واتساع رقعة الفقر، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن وضع حلولا منطقية وناجعة للملف الاقتصادي، الذي اخذ في التدهور والتعقيد بصورة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، ناهيك عن عجز الحكومة عن صرف مرتبات الموظفين والمتقاعدين بصورة منتظمة، في ظل تخلي الاحزاب والقوى السياسية عن الضغط لمعالجة مطالب الشعب، بسبب شراكتها في سلطة فاشلة اتخذت من العاصمة السعودية الرياض منفى اختياري لها في بادئ الأمر.

وعندما خرج الناس الي الشوارع محتجين ضد تدهور الاوضاع وتردي الخدمات الاساسية، تم مواجهتم بالرصاص الحي، واتهامهم بالتخريب والارهاب من قبل القوى التي كانت بالامس تتظاهر ضد حكومة صالح مطالبة بالتغيير والتحرير والشراكة، وكان صالح يتهمهم بنفس الاتهامات التي يوجهونها اليوم للمواطنين الغاضبين.

انها مفارقة غريبة وعجيبة تكشف عن عجز هذه القوى الجديدة في تلبية مطالب الشعب، او ترك الجماهير يعبرون عن غضبهم ضد الحكومة مع حماية هذه الاحتجاجات والحفاظ عليها من الانحراف.

الظلم المستمر

يتعرض الشعب لكم هائل من الظلم اليوم، وحالة غريبة من الكبت والضغط بسبب تكالب الجميع عليه في الداخل والخارج، وقد يقود ذلك الي انفجار كبير في حال فشل المجلس الرئاسي عن معالجة القضايا المهمة والضرورية، المتمثلة في الخدمات، والملف الاقتصادي، وتردي العملة الوطنية، وضعف الامن، وغياب الاستقرار، وفي حال احجم التحالف عن تنفيذ وعوده والتزاماته تجاه البلد.

سيظل التغيير ممنوعا في حال استمرت الاوضاع كما هي عليه، وتماهت الحكومة والمجلس الرئاسي والقوى السياسية مع الفساد والعبث الذي يكبر كل يوم داخل مؤسسات الدولة، وفي حال تجاهل العمل بالنظم والقوانين، والاحجام عن اجراء تغيرات حقيقية في الادارة والسلوك العام للدولة تؤدي الي مكافحة الفساد، وتطبيق القانون، واختيار الكفاءات والقدرات لشغل وظائف الدولة، وتطبيق مبادئ النزاهة، وتفعيل اجهزة الرقابة بصورة صارمة تستعاد من خلالها هيبة الدولة، ودورها الايجابي، ووظيفتها الاساسية في حماية الشعب، وتلبية تطلعاته ومطالبة الظرورية والهامة، وتحقيق النموء والتطور. 

التغيير الممنوع

سيظل التغيير ممنوعا اذا استسلمت القوى السياسية المشاركة في السلطة للدولة العميقة، وتماهت معها، وتفرغت لادارة مصالحها، وتجاهلت مصالح الشعب صاحب المصلحة العليا في التغيير.

سيظل التغيير ممنوعا اذا رضخ شركاء السلطة في الحكومة والمجلس الرئاسي للقوى الخارجية الرافضة لاية تغييرات حقيقية في البلد تؤدي الي انتشال الاوضاع من حالة الركود والفشل، ومغادرة حالة المناكفات والصراعات البينية، التي تهدف الي تشتيت كافة الجهود وبعثرتها، وتعطي في الاخير نتائج سلبية لاتساعد على استعادة الدولة، واعادة بناء مؤسساتها على اسس سليمة ووطنية، واقامة النموذج في العاصمة عدن والمناطق المحررة.

من يقف مع الشعب اذا تخلت الدولة عنه، وذهبت القوى السياسية من احزاب ومكونات للجري خلف مصالحها الذاتية والانانية، وترتيب اوضاعها في السلطة بصورة انتهازية لاتعير الشعب المطحون بالازمات اية اهتمام يذكر.

ادارة المصالح

جميعهم في السلطة يديرون مصالحهم ويتصارعون من اجلها، اما مصالح الشعب ماتزال مغيبة عن الاهتمام.

لاتلوح اية بوادر امل في الافق لاحداث تغيير جذري داخل مؤسسات الدولة يطوي صفحات الماضي، ويفتح ابواب المستقبل.

 كل الاجراءات الحكومية تتم بعيدا عن ملامسة جوهر المشكلة، واذا كانت الحكومة غير قادرة على معالجة مشكلة الكهرباء وتجفيف الفساد في هذا الملف، فانها ستعجز عن معالجة القضايا والمشكلات الاخرى، وستظل تحرث في ماء سنوات اضافية تبدد فيها امكانات الدولة، وكل ماياتي من الخارج من دعم ومساعدات وقروض.

ان احداث التغيير في حياة الناس مرتبط باحداث التغيير داخل الدولة، وفي عمقها وادواتها، ويبدو انه لاتوجد رؤية ولا الية عمل لاحداث هذا النوع من التغيير، وما يحدث مجرد ترقيعات ومسكانات وقتية ليس الا.

جميعهم في السلطة وقد ضاعت برامجهم ورؤاهم وخططهم التي كانوا يتبجحون بها ايام كانوا في المعارضة وفي الساحات، وظهر للملاء عجزهم وفشلهم عندما وصلوا للسلطة، لقد سدوا اعينهم واذانهم عن مطالب الناس ومعاناتهم التي تتسع كل يوم، وذهبوا يمارسون الكذب والتضليل على الشعب عبر وسائلهم المختلفة دون رحمة او حياء.

من يقف مع الشعب اذن؟ علينا ان ننتظر ايام صعبة حتى يصيب هذه الارض المخاض لتنجب معارضة جديدة، ورموز شابه من رحم الفقر والفاقه والمعاناة.

النضال لن يتوقف

اعداد قليلة من شباب الثورات يواصلون النضال الي جانب شعبهم بادواتهم البسيطة والمتواضعة، واكثرهم ذهبوا الي احضان الاحزاب والسلطة بحثا عن مكاسب ومناصب مغموسة بالذل والاخفاق والعقم المستدام.

مايزال الوطنيون في اوساط الشعب يعانوا من ضعف وحصار واذى وتنكيل، لكنهم يواصلون نضالهم بالوسائل المتاحة، يشكلون ضغطا قد يثمر في المستقبل تغييرا في احوال الناس الي الافضل.

النضال مستمر ولن يتوقف، وعلى السلطات الحاكمة ومن يقف خلفها من الخارج والداخل ان تدرك ان القرار بيد الشعب مهما بدا لهم ذلك غير منطقيا.

فالشعب الذي تكالبوا عليه اليوم لضربه واضعافه واخضاعه، يستطيع قلب المعادلات، وحل المسائل الصعبة.

تحليل خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام

Left Menu Icon
الرئيسية