اغتيال افتِهان المشهري : جريمة تعكس فشل الدولة وتغول مليشيات حزب الاصلاح

تم النشر بتاريخ 20 سبتمبر, 2025

مـــصـــطــفـــى بن خالد

المرأة في مواجهة الفساد : اغتيال الأمل وتجسيد الحقيقة
لم تكن الدكتورة افتهان المشهري موظفة حكومية عابرة في سجل الوظيفة العامة، بل كانت رمزًا ناصعًا للأمل والنزاهة والالتزام المدني .

في بيئة مثقلة بالفوضى والإهمال، حملت مكنسة النظافة كراية شرف، وحوّلتها إلى أداة مقاومة ضد الفساد والعبث، ساعية إلى استعادة روح المدينة وقيم الكرامة والعمل الشريف .

بجهودها اليومية المتواضعة والعظيمة في آن واحد، جسّدت افتهان المشهري حقيقة أن المرأة اليمنية ليست كائنًا هامشيًا في معركة البقاء، بل قوة قادرة على التغيير الجذري، حتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة .

لقد مثّلت في حياتها مشعلًا مدنيًا يضيء الطريق لمدينة أُريد لها أن تغرق في الظلام، فكانت تؤكد أن الدولة ليست شعارات جوفاء، بل مشروع حياة يتجسد في العمل الشريف والمسؤولية الحقيقية .

إن اغتيالها الغادر لا يُختزل في كونه فقدانًا جسديًا لشخصية بارزة، بل هو محاولة ممنهجة لإسكات الصوت النزيه، وتصفية المشروع المدني الوليد، والانتقام من كل محاولة لإعادة الاعتبار للقيم والمؤسسات .

لقد قُتلت افتهان لأنها مثّلت الدولة الفعلية في مواجهة شبكات الفساد، ولأنها رفعت رأسها في زمنٍ تعوّد فيه الفاسدون على انحناء الآخرين .

اغتيالها هو اغتيال لضمير المدينة، ومحاولة لإعادة تعز إلى قبضة الفوضى، ورسالة موجهة لكل امرأة ورجل يسعون لبناء وطن جدير بالحياة .

ومع ذلك، فإن دم افتهان لن يكون مجرد دمعة في ذاكرة النسيان، بل سيظل شاهدًا على أن المرأة حين تواجه الفساد، تهز عروش الطغيان .

حزب الإصلاح ومليشياته :
الحلقة الأساسية في معادلة الفوضى بتعز

تؤكد المصادر المحلية والوثائق الصحفية أن القاتل المباشر للدكتورة افتهان المشهري هو شخصية نافذة في الحزب الاصلاح، ويتحرك منذ فترة تحت حماية وغطاء واضحين من شبكة واسعة مرتبطة بمليشياته في تعز .

هذه المليشيات لم تعد مجرد تشكيلات مسلحة هامشية، بل تحوّلت إلى سلطة موازية تفرض هيمنتها على شوارع المدينة، وتدير يوميات المواطنين بمنطق الرعب والفساد والإقصاء .

لقد خلق حزب الإصلاح، عبر نفوذه العسكري والسياسي، بيئة مثالية للقتل والاغتيالات، حيث تغيب مؤسسات الدولة الفعلية عن القيام بدورها، فيما تتسع مساحة الفوضى التي يتغذى عليها القتلة والمجرمون .

إن هذه البيئة لم تُبنَ بالصدفة، بل هي نتاج سياسة ممنهجة تقوم على إضعاف أجهزة الدولة الرسمية لصالح تعزيز سلطة المليشيا، وإبقاء المدينة رهينة الخوف والابتزاز .

إن الجريمة التي طالت الدكتورة افتهان المشهري لا يمكن قراءتها بمعزل عن هذه المعادلة المختلة .
فهي ليست فعلًا فرديًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة متصلة من جرائم اغتيال وتصفية، تقف وراءها مظلة سياسية وعسكرية وفّرت الغطاء الكامل للجناة، وحمت تحركاتهم، وأمّنت لهم الإفلات من العقاب .

الضحايا في هذه الحرب غير المعلنة ليسوا فقط الأفراد المستهدفين، بل المدينة برمّتها :
نساؤها ورجالها، مجتمعها المدني، حلمها في أن تكون مدينة آمنة تسودها القيم المدنية .
إن النساء على وجه الخصوص يدفعن الثمن الأكبر، لأن أصواتهن الصادحة بالحق والشفافية تهز عروش الفساد وتفضح المتاجرين بدماء الناس .

وبالتالي، فإن تحميل حزب الإصلاح ومليشياته المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة وما شابهها ليس موقفًا انفعاليًا، بل قراءة واقعية لحقائق الميدان .

فحين تتحرك المليشيا بحرية مطلقة، وحين تُشل يد الدولة، وحين تُغتال الكوادر المدنية تحت سمع وبصر النافذين، يصبح الإصلاح ومليشياته الحلقة الأساسية في معادلة الفوضى، والفاعل غير المباشر لكل جريمة تُرتكب .

المسؤولية الثانوية :
المحافظ ومدير الأمن

وإن كان النفوذ الحزبي المتمثل في مليشيات حزب الإصلاح يشكّل المسؤولية الجوهرية في خلق بيئة الاغتيالات والانفلات الأمني، فإن ذلك لا يعفي السلطة المحلية من مسؤوليتها المباشرة .

فالمحافظ نبيل شمسان ومدير أمن تعز لم يكونا مجرد متفرجين على المشهد، بل كانا في موقع القرار الذي يملك — نظريًا — سلطة حماية الأرواح وردع الجريمة .

إن تجاهل التحذيرات والبلاغات السابقة التي رفعتها الدكتورة افتهان المشهري وموظفو صندوق النظافة، بشأن التهديدات والمضايقات التي تعرضوا لها، يمثل إدانة صريحة لعجز السلطة التنفيذية وفشلها في فرض هيبة القانون .

هذا الفشل لم يكن تقصيرًا عابرًا، بل كان العامل الممكّن للجريمة، الذي جعل اغتيال المشهري ممكنًا وداميًا بهذا الشكل البشع.

إن السلطة التي تعجز عن حماية موظفيها المدنيين، بل وتتقاعس عن التعامل مع البلاغات الرسمية والتهديدات الموثقة، تتحول عمليًا إلى شريك غير مباشر في صناعة الفوضى .
فالمسؤولية هنا ليست فقط مسؤولية إدارية، بل مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه المدينة ومواطنيها الذين باتوا يعيشون في فراغ أمني يفتح الباب على مصراعيه أمام القتلة والعابثين .

وبذلك، فإن دم الدكتورة افتهان المشهري لا يلطّخ أيدي القتلة المباشرين فحسب، بل يحمّل المحافظ ومدير الأمن وزر الفشل المؤسسي الذي سمح بتكرار الجرائم دون رادع، وترك مدينة بأكملها رهينة الفوضى والخوف .

الدعوة إلى العدالة :
افتِهان المشهري أيقونة فاصلة

إن اغتيال الدكتورة افتهان المشهري لم يكن مجرد جريمة عابرة، بل صفعة مدوّية على وجه الدولة والمجتمع المدني معًا .

لكنه في الوقت ذاته يشكّل نقطة فاصلة بين زمنين : زمن الصمت والتواطؤ، وزمن يفرض على الجميع مواجهة الحقيقة .
فإذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية بجدية، ولم يخضع القتلة ومن يقف خلفهم للمحاسبة، وإذا لم يمارس القضاء سلطته العاجلة والحاسمة، فإن دم افتهان لن يتحوّل إلى رمز للأمل كما أرادت، بل إلى رمز لفقدان العدالة وانهيار الثقة في الدولة .

اليمن اليوم أمام امتحان وجودي :
إما أن ينتصر لدماء النساء والرجال الذين واجهوا الفساد بصدورهم العارية، أو يترك البلاد رهينة لمليشيات عابثة تتستر خلف يافطات حزبية ومصالح ضيقة .
إن حماية المرأة ليست شعارًا تجميليًا، بل معيارًا لمدنية الدولة .
وتعزيز مؤسسات الدولة لا يكون بالخطابات، بل بمحاسبة النفوذ المنفلت، وتفكيك مراكز القوة غير الشرعية، وتجفيف منابع الفوضى .

إن دم الدكتورة افتهان المشهري أمانة في أعناق اليمنيين جميعًا، ورسالة واضحة بأن تعز واليمن لا يمكن أن يستمرا في دوامة الإفلات من العقاب .

فإما عدالة ترد الاعتبار، أو فوضى تتسع حتى تبتلع ما تبقى من الوطن .

الخلاصة :

• القاتل المباشر :
أحد القيادات النافذة في حزب الاصلاح ، وهو من نفذ جريمة الاغتيال .

• الحماية الأساسية :
مليشيات حزب الإصلاح التي تفرض سيطرتها القاهرة على تعز، بما يمنح المجرمين حرية الحركة والإفلات من العقاب .

• المسؤولية الثانوية :
المحافظ ومدير الأمن، نتيجة الضعف والإهمال والتواطؤ الضمني وفشل السلطة التنفيذية في أداء واجبها .

• الرسالة الجوهرية :
اغتيال المرأة النزيهة ليس استهدافًا لفرد بعينه، بل اغتيال للأمل، وللمدنية، ولجوهر الدولة نفسها. إن حماية المرأة ومحاسبة النفوذ الطاغي والفاسد ليس ترفًا سياسيًا، بل واجبًا أخلاقيًا ووطنيًا لا يحتمل التأجيل .

إن اغتيال الدكتورة افتهان المشهري ليس فقط جريمة محلية، بل هو جريمة سياسية – إنسانية عابرة للحدود الأخلاقية، تتطلب أن يوضع ( حزب الإصلاح الاخوان المسلمين فرع اليمن ) ومليشياته أمام مساءلة سياسية محلية ومحاكمة قانونية دولية، حتى يدرك الجميع أن دماء الأبرياء ليست مادة للتفاوض أو ورقة للابتزاز .

Left Menu Icon
الرئيسية