تم النشر بتاريخ 18 سبتمبر, 2025
بقلم / لؤي الكمالي
لا يمكن إنكار أن دولة رئيس الوزراء سالم بن بريك قامت بعدد من الإصلاحات التي انعكست بشكل مباشر على المشهد الاقتصادي. فقد شهدت العملة تحسنًا ملحوظًا بانخفاض سعر الريال السعودي من ٧٨٠ ريالًا يمنيًا إلى ٤٢٥ ريالًا، وهو ما شكّل تحولًا إيجابيًا أعاد بعض الثقة للأسواق وفتح نافذة أمل لاستقرار نسبي في الوضع المعيشي.
إلى جانب ذلك، نشطت جهود مكافحة الفساد، وتم فتح ملفات كانت لسنوات بعيدة عن المساءلة، وأُعيد ضبط الإيرادات العامة بما مكّن الدولة من استعادة جزء من سلطتها المالية. هذه الخطوات تُحسب لحكومة الدكتور سالم بن بريك، ولا يمكن إنكار أنها أحدثت فارقًا على مستوى الشكل العام للدولة.
لكن، ورغم هذه الإصلاحات، تبقى الحقيقة المؤلمة أن الموظفين عاشوا ثلاثة أشهر كاملة والآن على أعتاب الشهر الرابع بلا رواتب. وهذه الأزمة غير المسبوقة جعلت كل الإنجازات الاقتصادية والهيكلية تبدو ناقصة أمام معاناة الناس اليومية.
فما فائدة تحسن سعر الصرف إذا كان الموظف لا يجد راتبه؟ وما جدوى ضبط الإيرادات إذا كانت آلاف الأسر تعيش على الديون؟ وما قيمة الإصلاحات إذا لم تحفظ أبسط حقوق المواطن وهو حقه في الراتب الشهري؟
لقد ربط التاريخ عهد رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك بأهم إصلاحات اقتصادية، لكنه أيضًا سجّل أن هذا العهد شهد أطول وأصعب أزمة رواتب عرفتها البلاد. والوصمة الأشد قسوة ليست في الأرقام أو الإجراءات، بل في أربعة أشهر من حياة المواطن ضاعت في انتظار حقه البديهي.
الراتب ليس منّة ولا هبة تُمنح متى شاء الحاكم أو المسؤول، بل هو استحقاق وحق مشروع كفله الدستور والقوانين، ومن المؤسف أن يتحول هذا الحق إلى أداة ضغط أو ورقة مساومة في عهد يُفترض أنه جاء لخدمة الناس وتحسين معيشتهم.
لقد تحمّل الموظفون وذوو الدخل المحدود أقسى الظروف خلال الأشهر الماضية أُسر عاجزة عن دفع إيجار مساكنها، مرضى لم يجدوا ثمن الدواء، طلاب حُرموا من أبسط متطلبات التعليم، وعائلات باتت تعتمد على الدَّين والصدقات للبقاء على قيد الحياة. هذه الكارثة الإنسانية تكفي وحدها لإسقاط كل حديث عن نجاحات أو إصلاحات.
إن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بالشعارات أو بالمظاهر، بل يُقاس بقدرة المواطن على العيش بكرامة. وما حدث خلال الأشهر الماضية كشف أن “الإصلاحات” التي يُتحدث عنها لم تتجاوز حدود الإعلام.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى. وإذا كان البعض يحاول تجميل الصورة بإطلاق العبارات الرنانة عن البناء والنجاح، فإن الحقيقة الواضحة أن الموظف البسيط ظل أربعة أشهر بلا راتب، وهذه الحقيقة ستبقى شاهدة على فشل لم يسبق له مثيل.
ولذلك، فإننا نوجه نداءً مباشرًا وملحًّا إلى معالي رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك، أيها الدكتور، إن الإصلاح الحقيقي الذي يُذكر لكم ويُكتب في التاريخ لا يُبنى على استقرار العملة وحدها، بل يُبنى على استقرار المواطن أولاً. المراجعة الفورية والشاملة لأزمة الرواتب هي الاختبار الحقيقي لمصداقية كل الإصلاحات الأخرى. لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح وأغلب أُسر الوطن غارقة في هموم لقمة العيش. الإنجاز الأعظم الذي ينتظره الشعب منكم الآن ليس تقريرًا اقتصاديًا، بل هو راتب في آخر الشهر يُعيد كرامة أُسرة ويدفع علاج مريض ويوفر مستقبل طالب. الوقت لم يفت بعد، لكنه ينفد بسرعة.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع