تم النشر بتاريخ 2 سبتمبر, 2025
بقلم/ لؤي الكمالي
في بلدٍ أنهكه الفساد والحروب وتلاعب الساسة بأقدار الناس، لم يكن اليمنيون يتوقعون أن آخر ما تبقّى لهم من أملٍ في حفظ مدخراتهم سيُسلب بهذه الطريقة الفجّة. خلال اليومين الماضيين، شهدت البلاد أكبر عملية نصبٍ مصرفية في تاريخها الحديث، حين استيقظ الآلاف على كارثة مالية سحقت أحلامهم في غمضة عين.
المفجع في الأمر لم يكن فقط ضياع أموال المودعين، بل التبريرات السخيفة التي قُدِّمت لاحقًا. فبدلًا من المسارعة إلى إنصاف الضحايا وجبر الضرر، أُعلن ـ بكل استخفاف ـ أن الأموال المنهوبة ستعود إلى خزائن البنك نفسه! وكأن المودعين مجرد أرقام بلا قيمة، أو قرابين تُقدَّم على مذبح فسادٍ لا ينتهي.
لقد كان اليمنيون يعقدون الآمال على البنك المركزي ليكون المنقذ الأخير، يعيد الثقة المفقودة بالنظام المصرفي، ويضخ دماءً جديدة في اقتصادٍ ميت، ويمنح الناس حدًّا أدنى من الطمأنينة على لقمة عيشهم. لكن ما حدث ليلة الأمس لم يترك سوى جرحٍ جديد في جسد الثقة الوطنية، ومسمارًا آخر في نعش مؤسسةٍ كان يُفترض أن تكون الحارس الأمين لا الشريك في الجريمة.
اليوم تتكشّف الحقيقة المرّة، ما جرى لم يكن صدفةً ولا خللًا عابرًا، بل منظومة متكاملة للسطو على الناس تحت غطاء القانون. لقد صار هذا الفعل عنوانًا للخيانة المالية، ووصمة عارٍ على جبين سلطةٍ غارقة في الفساد حتى أذنيها.
المواطن البسيط الذي أودع جنى عمره في البنوك لم يكن يبحث عن ربحٍ ولا مضاربة، بل عن ملاذٍ آمن يحميه من تقلبات الحرب والجوع. فإذا بالملاذ يتحوّل إلى فخٍّ قاتل، وبالحامي يتحوّل إلى الجاني.
إن ما جرى يجب ألا يمر مرور الكرام. فالمسألة لم تعد مجرد قضية ودائع ضائعة، بل قضية ثقةٍ وطنية ضُربت في الصميم، وجريمة تستوجب المساءلة والمحاكمة لا التبرير والتغاضي.
إنها لحظة فاصلة، إمّا أن يُحاسَب المتورطون على فعلتهم الشنيعة، وإمّا أن يُكتب على اليمنيين أن يعيشوا في ظل اقتصاد عصابة، لا اقتصاد دولة.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع