الظروف اليوم مواتية لنا لنتعامل معها بجد؛ لأن التغيير واقع في دولتنا

تم النشر بتاريخ 31 أغسطس, 2025

رعد الريمي

في شوارعنا اليمنية المتعطشة للأمل، وبين أروقة مؤسساتنا التي أنهكها الانتظار، لا تكمن أزمتنا الحقيقية في قلة ما نملك، بل في كيفية إدارته.

نعم، أقولها وبكل صدق: كل ريال يُهدَر، وكل ثقة تُغتال مع راتب يذهب لمن لا يستحقه، هي طعنة في خاصرة هذا الوطن الذي نحب، والذي ينزف مع كل فساد سابق وقادم.

قف وتأمل معي هذا المشهد أيها القارئ الكريم، والذي يتكرر كل يوم:

كيف يمكن لموظف أفنى ثلاثين عامًا من عمره في خدمة وطنه، أن يرى من هو أقل منه خبرةً وكفاءةً يتسلق المناصب ويصبح مديرًا أو وكيلاً أو دبلوماسيًا، فقط لأنه يملك “الواسطة”؟

كيف يستقيم أن يعيش مسؤول في بذخ، وراتبه يفوق أحلام شابٍ عدني، لحجي، ضالعي، أبيني، حضرمي، مهري، سقطري، ماربي، تعزي بسيط، بينما هذا الشاب يصارع الغلاء الفاحش والخدمات المتردية؟

وكيف نقبل أن تُسجَّل أسماء في كشوفات الرواتب بالخارج، وأصحابها يعيشون بيننا يزاحموننا على لقمة العيش؟

هذا ليس مجرد خلل إداري، بل هو نزيف حقيقي في جسد الدولة، وفساد يضرب جذوره في عمق مؤسساتنا.

لقد حان الوقت لوقفة شجاعة، وقفة رجل واحد، من أجل إصلاح حقيقي يعيد للمال العام هيبته، ويبني دولة قوامها العدل والكفاءة.

وهذا لا يتم بالأمنيات، بل بخطوات واضحة ومؤثرة:

لماذا تبدَّد الملايين على إيجارات ومصاريف في عواصم مؤقتة، بينما عدن، عاصمتنا الصامدة، تفتح ذراعيها وتنتظر؟

إن عودة المؤسسات ليست مجرد انتقال، بل هي رسالة بأننا نوحّد جهودنا ونوقف الهدر لنبني ونعمر في أرضنا.

لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج.

يجب أن نُفعّل بقوة وحزم أجهزة الرقابة والمحاسبة، وأن نعيد تشكيل لجان مكافحة الفساد والمناقصات برجالٍ لا يخشون في الحق لومة لائم.

يجب أن تكون هذه المؤسسات سيف العدالة المسلط على رقاب كل فاسد ومتجاوز، مهما علا منصبه.

الإصلاح لا يتجزأ.

لا يمكن أن نصلح الاقتصاد ونحن نترك الإدارة مرتعًا للفساد، ولا يمكن أن نحقق الأمن ومؤسساتنا تعاني من التوظيف العشوائي.

الحل يكمن في رؤية شاملة تربط الإصلاح الإداري بالاقتصادي والأمني، وإلا فإن كل جهودنا ستكون مجرد مسكنات مؤقتة لمرض عضال.

المناصب ليست غنائم تُوزع، بل هي أمانات تُمنح لأهلها.
يجب أن يكون المعيار الوحيد هو الكفاءة والخبرة والنزاهة، لنبني دولة يكون فيها الولاء للوطن، لا للشخص أو الحزب، وحيث تُقدَّر سنوات العطاء والتضحية.

كبادرة حسن نية، ولكي نثبت جديتنا في الإصلاح، لا بد من البدء فورًا بخفض الرواتب غير المستحقة بنسبة لا تقل عن 50% حتى نهاية العام، لتكن هذه خطوة انتقالية تمهيدًا لإعادة هيكلة شاملة وعادلة لمنظومة الأجور بأكملها.

هذه ليست مجرد كلمات، بل هي نبض الشارع، وصوت كل مواطن غيور، ونداء كل مسؤول شريف يحلم بوطنٍ أفضل.

إنها دعوة صادقة لنبني معًا دولة الأمانة، ونصون مالنا العام بحزم، ونؤسس لمستقبلٍ يُبنى على أكتاف الكفاءات.

فلنتحد جميعًا، مواطنين ومسؤولين، ولنبدأ الإصلاح الآن…
قبل أن يسرق الوقت منا ما تبقّى من أمل.

Left Menu Icon
الرئيسية