القوى السياسية عندما تتحول إلى مشكلة وعائق

تم النشر بتاريخ 30 أغسطس, 2025

لؤي الكمالي

في لحظةٍ ما، وفي خضم الحروب، تفرّ الأحزاب والقوى السياسية التي ارتبطت بالدولة من الميدان وتترك الشعب يواجه مصيره، أو يهرب المسؤولون والأغنياء ويتركون الفقراء يواجهون رصاص الحرب ويدافعون عن الوطن، ثم يعودون عندما تضع الحرب أوزارها يريدون السلطة والحكم.

هذا ما حدث في الحالة اليمنية أثناء الحرب الأخيرة. ولأننا نتحدث عن الأحزاب والقوى السياسية، فإنها ما إن استقرت في الخارج أثناء الحرب حتى أعادت صهر وتنظيم نفسها ضمن أجندات ومصالح الدول التي استقرت فيها، بعيدًا عن المصلحة الوطنية. ولولا المكونات المدنية والاجتماعية والمبادرات الشبابية الشعبية التي وُلدت من رحم الثورة والمقاومة، ضمن رؤية وطنية مستقلة لحماية الدولة ومؤسساتها من الانهيار الكلي، وحماية المجتمع من التشظي أكثر مما هو عليه، فضلًا عن الدفاع عن مصالح الناس وضمان استمرار الخدمات، لكان الأمر الآن مختلفًا تمامًا.

ولم تكن هذه المكونات والمبادرات الجديدة بديلًا عن الأحزاب، ولكنها عملت من الداخل لحماية الدولة التي تخلى عنها الجميع دفعة واحدة. وحتى الآن، ومع استتباب الوضع، وبعد عودة الأحزاب للعمل من الداخل عبر أجهزة الدولة والحكومة، استمر الشعب وما يزال يطالب بالدولة وحضورها التي ضحى من أجلها، إلا أن الأحزاب لم تستطع إيجاد ذلك لا عبر الحكومة ولا غيرها، والسبب أنها ارتبطت بأجندات خارجية تتصادم مع تطلعات الشعب الحرة في إيجاد دولة وطنية، ولم تتمكن حتى الآن من الفكاك من هذه الأجندات المضرّة. وفي المحصلة، لا هي تركت مكونات اللحظة التي خلقتها الثورة والمقاومة تعمل لصالح الدولة، ولا هي استطاعت إيجاد دولة، أو حتى توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الضرورية.

وبالعودة إلى بدء، ومن هذا المنطلق، وفي ظل الفراغ، بحث المواطن عن بدائل أخرى لحماية مصالحه وحقه في العيش واستمرار الحياة، ولكن هذه البدائل لا تشكّل أي ضرر على الدولة، لأنها ليست بديلًا عنها وإنما حل مؤقت حتى تعود الدولة من جديد.

إذن من المسؤول هنا عن إيجاد الدولة؟ الأحزاب التي تدّعي تمثيل الجماهير وتتكون منها الحكومة ومجلس القيادة؟ أم المواطن المسكين الذي لا يجد من يحميه اليوم أو من يقف معه؟ أم المكونات التي أوجدتها اللحظة والضرورة لحماية الدولة من الانهيار أو حماية مصالح الناس؟ وهي مكونات وأدوات بسيطة، بدلًا من دعمها ودمجها داخل الحكومة والدولة يُنظر إليها على أنها المشكلة والعائق أمام الدولة، بينما الأحزاب التي تعمل لصالح أجندة خارجية صرفة تُعتبر هي الحل؟!

الخلاصة: إن الأحزاب هي من تتحمل المسؤولية الكاملة والشاملة عمّا حدث في البلد منذ الثورات السلمية وحتى اليوم. فهي تتفق على المصالح الذاتية والتقاسم، وتختلف على الوطن وإيجاد الدولة التي يتطلع إليها الناس، لأنها لا تمتلك مشروعًا وطنيًا، وإنما أجندات خارجية متقاطعة، تتلقى لقاء تنفيذها أموالًا وهبات على حساب الوطن والمواطن.

إذن على الأحزاب والقوى السياسية أن تُصحّح أوضاعها برفض الهبات والتمويل الخارجي وترك الأجندات المضرّة، والعودة إلى الداخل للعمل مع الجماهير، ما لم، فإنها ستكون من جديد مشكلة عويصة ومعيقًا حقيقيًا أمام عملية التصحيح والإصلاحات والتطلعات الوطنية والشعبية، ويجب في هذه الحالة إزالتها من الطريق.

Left Menu Icon
الرئيسية