مقياس الوهم.. عندما يختلط المال بالقيم

تم النشر بتاريخ 22 أغسطس, 2025

لؤي الكمالي

يعيش الشاب اليوم صراعًا داخليًا شديدًا، صراعًا بين الطموح الصادق والظروف القاسية التي يفرضها عليه الواقع. كثيرًا ما يُقاس الإنسان بما يملك من مال أو مكانة اجتماعية، وكأن النجاح محصور في الغربة أو الجاه الموروث. قليلون فقط يدركون أن من يبدأ من الصفر ويكدح ويبني مستقبله خطوة بخطوة يحمل قوة وإرادة أكبر من أي مال أو جاه، وأن الصبر والمثابرة هما الطريق الحقيقي للتميز.

قد تكون اليوم طالبًا، تحمل كتبك على كتفك وتسعى وراء حلم بين قاعات الجامعة وضغوط الحياة. تسهر الليالي من أجل امتحان، تعمل لتغطي مصاريفك، وتؤمن أن كل تعب اليوم هو حجر يُبنى به مستقبلك. أحيانًا تشعر بالإرهاق، وأحيانًا يراودك شعور بالخذلان من واقعٍ لا يقدّر الجهد الصادق، لكنك تستيقظ كل يوم وتعلم أن كل خطوة صغيرة تقوم بها تصنع الفرق غدًا.

في هذا الطريق، قد تحب من كل قلبك، تقدم مشاعرك بنية صافية، تحلم بحياة مليئة بالاحترام والوفاء. كنت تضع قلبك بين يديها، تشاركها الأفكار والأحلام، وتبني شيئًا تؤمن أنه حقيقي وصادق. لكن شيئًا فشيئًا، تشعر بالابتعاد التدريجي، وكأن صدق قلبك لم يكن كافيًا. لم يكن رفضًا مباشرًا، بل صمت طويل، تراجع تدريجي، وهروب من عمق مشاعرك، كأن الحب الذي منحته بلا مقابل لم يكن يستحق المواجهة.

اللعب بالمشاعر والخيانة ليس مجرد ألم عابر، بل درس قاسٍ يعلّمك كيف تحمي قلبك، وكيف تعرف من يقدّر الصدق ومن يتلاعب بالمشاعر، ومن يستحق الحب ومن لا يستحقه. كل تجربة، مهما كانت موجعة، تصقل الشخصية وتزيد من القدرة على التفريق بين من يستحق قلبك ومن لا يستحقه.

المؤلم أن بعض الناس يقدّرون المال والمظاهر أكثر من القيم الحقيقية: الصدق، الوفاء، الاحترام. الحب الصادق أحيانًا يُفهم فقط إذا رافقه مال أو جاه، وكأن القلوب التي تمنح بلا مقابل لا قيمة لها. هذه الحقيقة تركت أثرًا عميقًا في نفسي، وأدركت أن من يفتقد القدرة على التقدير لن يكون شريكًا صالحًا، وأن من يعرف قيمة نفسه لا يمكن أن يسمح لأي ضعف في القيم أن يحطم مستقبله أو قلبه.

قد تجد أن بعض القلوب ضعيفة أمام الوفاء الحقيقي، وأن من يفتقد الإيمان بالقيم لن يعطيك سوى الفراغ العاطفي، مهما بدا قريبًا في البداية. هذا الدرس قد يكون مؤلمًا، لكنه يعلمك كيف تثق بنفسك، كيف تحمي قلبك، وكيف تتمسك بالمبادئ التي تؤمن بها.

المال لا يشتري الاحترام، ولا يخلق الحب الصادق، ولا يمنح السعادة. بعض الناس يظنون أن الغنى هو مفتاح الفرح، حتى لو صاحب المال يسيء للآخرين أو يتصرف بلا وفاء. الحقيقة أن السعادة الحقيقية تأتي من الحب النقي، من الوفاء، من الكرامة، ومن الصبر على الصعاب والمصاعب التي تصقل النفس.

ما فائدة المال أو الغربة إذا كانت بلا علم أو شهادة؟ المال يذهب، والغربة صعبة، لكن المعرفة والشهادة تظل رصيدك الحقيقي، تفتح لك الأبواب، تمنحك الاحترام، وتمنحك القدرة على تحقيق طموحاتك بشكل مستدام. بدون علم، قد تضيع الفرص، وقد يظل المال والمكانة مجرد وهم لا يساوي شيئًا أمام القدرة على صناعة المستقبل بيدك.

قد يبتعد عنك البعض لأنك في بداية الطريق، بينما أنت تبني نفسك بالعرق والصبر. كل خطوة تبنيها اليوم تقرّبك من مستقبلك المشرق، وكل خيبة تعلمك درسًا يقوي إرادتك. الطالب الذي يكدح اليوم قد يصبح غدًا رمزًا يُشار إليه بالبنان، مثالًا للقوة والصبر، وقدوة لمن حوله.

القوة الحقيقية ليست في المال أو الجاه، بل في قلب يعرف قيمته، وطموح لا يتوقف، ومشاعر تُحفظ بالوفاء والصدق. الحب الصادق يحتاج الاحترام، والطموح يحتاج الصبر، والسعادة الحقيقية تُصنع بالإيمان بالنفس وبالمثابرة والعمل.

ومن يشعر بالخوف أمام صدق المشاعر ويختار الابتعاد، سيبقى قلبه بعيدًا عن الحب الحقيقي، مهما حاول أن يبدو قريبًا في البداية. أما من يثبت على حلمه، ويواصل البناء خطوة بخطوة، سيجد الحياة تعوّضه بما يفوق كل انتظار.

تُلاحظ في المجتمع اليوم أن بعض الفتيات يقدّرن المال والمظاهر أكثر من الصدق والوفاء والاحترام. الحب الصادق والإخلاص يُفهم أحيانًا فقط إذا رافقه مال أو جاه، وكأن القلوب التي تُعطي بلا مقابل لا قيمة لها. هذه الظاهرة تجعل الشباب يشعرون بأن المشاعر والنية الصافية أصبحت سلعة، ويزيد شعور الخيبة لدى من يحب بإخلاص.

لكن هذه التجارب تعلم الشباب كيفية المحافظة على المبادئ، وعدم السماح لأي ضعف في القيم أن يحطم مستقبلهم أو قلوبهم، ويجعلهم يعتمدون على الصبر والمثابرة والنية الصادقة، مع التوكل على الله تعالى.

في المجتمع اليوم، يُظن أحيانًا أن المال هو معيار السعادة. بعض الفتيات يعتقدن أن الرجل الغني هو مفتاح الفرح، حتى لو كان يعاملها بقسوة أو إساءة. الحقيقة أن المال لا يشتري الاحترام، ولا يخلق الحب الصادق، ولا يمنح السعادة الحقيقية. السعادة تأتي من الحب النقي، الوفاء، الكرامة، والصبر على المصاعب التي تصقل النفس.

تظهر خيبات الأمل في حياة الشباب كجزء من التجربة المجتمعية: يُترك من أحب بصدق ليواجه الوحدة والخذلان، والمشاعر التي وُهبت بلا مقابل تُستغل، والوفاء لا يُقدَّر. هذه الخيبات تصقل الشخصية، وتعلّم كيفية فهم المشاعر قبل منحها، وكيفية التمييز بين الصادق والمستغل، وهي درس مجتمعي مهم لكل شاب.

خيبات الأمل والانكسارات جزء طبيعي من حياة الشاب. المشاعر التي وُهبت بلا مقابل، والوفاء الذي لم يُقدَّر، تُترك أثرًا عميقًا، لكنها أيضًا تولد القوة. التجارب تعلم أن الحزن والانكسار جزء من البناء النفسي، وأن القلب الذي يتألم اليوم يصبح أقوى غدًا. الانكسار يعلم كيف يظل الإنسان صامدًا، كيف يحافظ على كرامته، وكيف لا يسمح لأي ظرف أو شخص أن يحطّم إرادته أو يضعف عزيمته. التجربة تصقل العقل والنفس معًا، وتجعل الشخص أكثر حكمة وفهمًا للعلاقات والقيم.

اليوم، تستمر في الحياة، تتعلم من كل تجربة، وتبني نفسك خطوة بخطوة. الطريق طويل، لكنه مليء بالفرص لمن يعرف قيمته، ويؤمن بنفسه، ويعمل بإخلاص. كل خيبة، كل ابتعاد، وكل تجربة غير مقدرة، هي درس للحياة، ومرحلة لبناء النفس والمستقبل.

Left Menu Icon
الرئيسية