تم النشر بتاريخ 16 أغسطس, 2025
مسارات / تقرير/ لؤي الكمالي
شهد الاقتصاد اليمني انهيارًا حادًا بعد سنوات من الانحدار المالي، تراجع قيمة الريال، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما انعكس بشكل مباشر على المواطن العادي، حيث أصبح أكثر من دخله يذهب لسداد تكاليف المعيشة، فيما استفاد قطاع محدود من المضاربة بالعملة وأسواق الصرف غير المنظمة.
من هذا المنطلق ، تحركت الحكومة بإجراءات محدودة للسيطرة على السوق ومحاولة تثبيت العملة، ونجحت بشكل كبير في المرحلة الأولى من هذه العملية الانقاذية ، لكن هذه العملية اقتصرت لحد الان على أدوات إدارية قصيرة الأمد. وفق تصريحات الدكتور ياسين سعيد نعمان، فإن هذه الأدوات قد تمنع انهيار الريال مؤقتًا، لكنها لا تحقق استقرارًا اقتصاديًا دائمًا، إذ تحتاج السياسات المالية والنقدية إلى توازن بين ضبط الأداء الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص، مع الحد من الاقتصاد الموجّه الذي يقيد السوق الحر.
الإصلاحات الحقيقة لم تبدأ بعد
وقال الصحفي والكاتب اليمني محمد الغباري، في حديث خاص مع موقع “مسارات” أن الواقع الحالي ما يزال بحاجة للكثير من العمل ، موكدا أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي بدعم من الولايات المتحدة مكنت البنك من السيطرة على هامش المضاربة بالعملة الذي يقدر بـ 35%، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تبدأ بعد أي إصلاحات اقتصادية حقيقية، وأن المطلوب هو تصحيح وضع الموارد ومكافحة الفساد، مع منع صرف المرتبات بالدولار وفق المعايير القانونية. وأوضح الغباري أن القرارات الأخيرة لوقف المرتبات بالدولار لم تُطرح أصلاً في مجلس الوزراء، وتحتاج موافقة مجلس القيادة، لافتا إلى أن ما حدث مجرد إجراءات إدارية وليست إصلاحات.
مكافحة الفساد ومصافي عدن
منذ نوفمبر 2023، سجل التيار الوطني للتصحيح والبناء خطوات ملموسة لتحريك المياه الراكدة في الاقتصاد الوطني، بدءًا باللقاء مع الهيئة العليا لمكافحة الفساد لتعزيز الرقابة والمساءلة، مرورًا بالمطالبة بإعادة تشغيل مصافي عدن وتنظيم فعاليات حاشدة لدعم الاقتصاد المحلي، وصولًا إلى إصدار بلاغات عاجلة للنائب العام لمكافحة العبث بالمال العام، وتوجيه رسائل رسمية لقيادة المجلس الرئاسي والحكومة لتشكيل لجنة لإعادة تقييم مؤسسات الدولة وضمان الشفافية والكفاءة.
لقد أدرك التيار أهمية المصافي منذ البداية، ورفع صوته مبكرًا للمطالبة بإعادة تشغيلها. واليوم، تؤكد تصريحات الأستاذ ناصر شايـف، رئيس دائرة الإعلام والعلاقات العامة بالمصافي، أن إعادة تشغيل وحدات مصافي عدن، بما فيها وحدة التقطير الفراغي ووحدة الأسفلت ووحدة تكرير النفط الخام الصغيرة، ستسهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد وتحقيق الاستقرار النقدي، مع تشغيل هذه الوحدات بصورة مستمرة حال توفر الوقود اللازم لها، وما يتم حاليا هو الاعداد التجريبي من أجل التشغيل الرسمي في القريب العاجل.
أما الأستاذة ديما عبدالقوي الشعبي، رئيسة الدائرة الاقتصادية بالأمانة العامة للتيار الوطني للتصحيح والبناء ، فتشير إلى أن التحركات الاقتصادية الحالية تشبه حربًا اقتصادية، وأن نجاحها يعتمد على تنفيذ إصلاحات حقيقية تستعيد ثقة الشعب، مع ربط الدعم الخارجي بتنفيذ هذه الإصلاحات، ورفع كفاءة مؤسسات الدولة والخروج من النفق المظلم.
مضاربة متعمدة
الصحفي والكاتب اليمني محمد علي محسن ، يوضح أن هبوط قيمة العملة الأجنبية كان نتيجة مضاربة متعمدة من فئة محدودة، ما كلف المواطن أكثر من نصف دخله، مؤكداً أن ما يُصرف في السوق لا يعكس القيمة الحقيقية للعملة، ومقارناً ذلك بتجربة مضاربة جورج سوروس على العملات في آسيا عام 1997، التي أدت إلى انهيار اقتصادات عدة دول مثل إندونيسيا وتايلندا وكوريا الجنوبية، لتكون اليمن ضحية نفس النمط من التلاعب المحلي.
بعد هذه التصريحات والتحليلات، تتضح حقيقة أن مطالب التيار الوطني للتصحيح والبناء لم تكن مجرد شعارات سياسية، بل كانت أدوات عملية لإنقاذ الاقتصاد الوطني. حيث برهن التيار على أنه المنقذ الاقتصادي الوحيد القادر على تحريك عجلة التصحيح و الإنتاج، و دعم الاستقرار النقدي، ومواجهة الفساد الذي استنزف موارد الدولة وأرهق المواطن البسيط. إن خطوات التيار المستمرة والممنهجة تمثل نموذجًا عمليًا يمكن للحكومة البناء عليه لتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي، وضمان تجاوز اليمن مرحلة الهشاشة الاقتصادية نحو مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا.
وأشاد مراقبون بالخطوات التي قامت بها الحكومة برئاسة ، الاستاذ سالم بن بريك ، بالتنسيق مع البنك المركزي ، والتي أسفرت عن تحسن صرف العملة الوطنية أمام النقد الأجنبي ، وتراجع اسعار السلع المختلفة ، الامر الذي بث روح الامل والتفاؤل لدى الناس في مختلف المحافظات المحررة ، حيث عبروا عن سعادتهم بوقوف الحكومة إلى جانبهم للمرة الأولى منذ تحرير العاصمة عدن وغيرها من المحافظات، منذ زهاء عقد ونيف.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع