تم النشر بتاريخ 6 يوليو, 2025
عادل الشجاع
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، وجدت شريحة من اليمنيين نفسها تميل للامتنان للسعودية والإمارات، تقديرًا لما تصفه بـ”الدعم” و”الوقوف إلى جانب اليمن في محنته”. هذا الامتنان، رغم وجاهته في بعض الجوانب، بات محل نقاش واسع، لا سيما في ظل الواقع المأساوي الذي يعيشه اليمنيون بعد عشر سنوات من الحرب، حيث لا الحوثي زال، ولا الدولة عادت، ولا الكرامة استعادت مكانتها..
السعودية والإمارات، بقيادتهما للتحالف العربي، أعلنتا أن هدف التدخل في اليمن هو دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي، لكن بعد عشر سنوات، لا يزال الحوثي يسيطر على صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن، بينما باتت الشرعية نفسها منقسمة، مقيدة، وضعيفة التأثير، وفاقدة لثقة جزء كبير من اليمنيين..
وفي خضم هذا الفشل السياسي والعسكري، تمن الرياض وأبوظبي على اليمنيين بشكل مستمر بما تقدمانه من مساعدات إغاثية أو تسهيلات للعمالة اليمنية داخل السعودية، حتى أصبحت هذه “المنّة” عبئًا على كرامة اليمنيين أكثر منها دعمًا فعليًا، فما قيمة الغذاء الذي لا يطعم كرامة..
لا يمكن إنكار أن الكثيرين من اليمنيين استفادوا من المساعدات الإغاثية، سواء من مركز الملك سلمان أو الهلال الأحمر الإماراتي، ولكن هل تعني الإغاثة شيئًا أمام تدمير البنية التحتية، وتحويل البلد إلى ساحة نفوذ؟ وهل الغذاء المعلب يمكن أن يعوض فقدان السيادة والانهيار الاجتماعي؟
في الحقيقة، استخدمت الإغاثة في كثير من الأحيان كأداة سياسية أكثر منها عملاً إنسانيًا، وتم الترويج لها إعلاميًا بشكل مبالغ فيه، وكأنها تغسل أيدي السعودية والإمارات من نتائج الحرب، بينما الواقع على الأرض لا يخفى على أحد، حيث الجوع والتشريد والغلاء وانعدام الأمان..
ولعل أحد أبرز النقاط التي يُمنّ بها على اليمنيين هي فتح باب العمل لهم داخل السعودية، خاصة في ظل الحرب، لكن هذه العمالة ليست مِنّة، بل علاقة اقتصادية يستفيد منها الطرفان، اليمني يعمل مقابل أجر، والسعودية تستفيد من عمالة رخيصة ومحافظة على التوازن السكاني في بعض القطاعات، ومع ذلك، يتم تذكير اليمنيين دائمًا بأن “السعودية لم تغلق أبوابها”، وكأن الكرامة مربوطة بالسكوت مقابل الفتات..
منطق الامتنان يُفترض أن يُبنى على نتائج، لا على وعود، فلو أن التحالف العربي نجح فعلًا في إسقاط الحوثي وأعاد الدولة، لكان هناك سبب مشروع للامتنان، لكن بقاء الحوثي كقوة عسكرية وسياسية متماسكة، مقابل شرعية متشظية، يفتح الباب لتساؤلات عميقة: هل كان الهدف فعلًا إنهاء الانقلاب؟ أم إعادة تشكيل اليمن وفق أجندات إقليمية تُبقيه ضعيفًا ومجزأً؟
فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالعرفان لمن يمد له يد العون، خاصة في وقت الشدة، لكن هناك فرق بين الامتنان الواعي، المبني على فهم سياسي ومصلحي، وبين التبعية العاطفية التي تُعمّي البصر عن الحقائق، لقد آن الأوان لليمنيين أن يعيدوا تقييم موقفهم من كل الأطراف، لا بعيون التبعية، ولا بمرارة الكفر بالجميل، بل بميزان الكرامة والمصلحة الوطنية، فأوروبا فتحت أبوابها للملايين من الأوكرانيين وقدمت لهم الدعم المادي والسياسي وفتحت لهم سوق العمل ولم نسمع عن أوروبي واحد يمن عليهم،مع العلم بأن أوروبا لم يكن لديها قرارا دوليا ذهبت بموجبه لحماية الأوكرانيين، كما هو حاصل مع دول التحالف العربي..
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع