تم النشر بتاريخ 27 يونيو, 2025
فتحي أبو النصر
منذ تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن عام 2015، ظلت الشرعية اليمنية تُدار كجبهة موحدة في الظاهر، لكنها في العمق خاضعة لتعقيدات وتشابكات المصالح الإقليمية والمحلية.
واليوم، تُطل من كواليس مجلس القيادة الرئاسي، الذي جاء كنتاج لتوافقات إقليمية ودولية بديلاً عن الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، بوادر انشقاق تهدد ما تبقى من تماسك ذلك التحالف السياسي والعسكري.
فالأخبار المتسربة عن صدام بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور المشير رشاد العليمي، المحسوب على التوازن السعودي، ونائبه العميد طارق محمد عبد الله صالح، قائد قوات حراس الجمهورية والمدعوم بقوة من دولة الإمارات، ليست مجرد شائعات عابرة. بل هي، في عمقها، تعبير صريح عن خلل بنيوي في مشروع “الشرعية” اليمنية ذاته، والتي لم تُعد تعني الكثير لأبناء اليمن بقدر ما أضحت عنوانا فضفاضا لتمثيلات النفوذ الخليجي في المشهد اليمني الملتبس.
طبعا..
طارق صالح، ابن أخ الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، عاد إلى الواجهة بدعم إماراتي واضح بعد مقتل عمه وانهيار تحالفه مع الحوثيين.
ورغم أن قواته تمركزت في الساحل الغربي لليمن تحت شعار “التحرير من الحوثي”، إلا أن تموضعها في مدينة المخا ذات الميناء الأشهر في اليمن والتابعة لمحافظة تعز بعيدا عن معاقل الحوثيين في صنعاء، أثار علامات استفهام حول الأولويات الحقيقية لهذه القوة.
وقد بدا واضحا أن الإمارات ترى في طارق صالح مشروع قيادة بديل يوازن كفة حزب الإصلاح، المتراجع بفعل الضغوط السعودية والإماراتية على حد سواء.
وفي المقابل، يظهر الدكتور رشاد العليمي، وهو شخصية أكاديمية وإدارية هادئة، كرجل توافق، لا يحمل مشروعا شخصيا لكنه يحاول إدارة التوازنات ضمن مجلس قيادة متعدد الولاءات والمرجعيات.
ومع تصاعد الخلافات، خاصة بعد تقارير تتحدث عن تبادل الاتهامات بالفساد المالي والإداري، تتعزز القناعة بأن المجلس الرئاسي ليس سوى هدنة مؤقتة بين فرقاء مختلفين أكثر مما هو كيان موحد له رؤية مشتركة.
فهل نحن أمام تمرد داخلي؟
السؤال الأخطر هنا ليس فقط ما إذا كان الخلاف بين العليمي وطارق سيؤدي إلى شلل في إدارة المناطق “المحررة”، بل ما إذا كانت هذه الأزمة تنذر ببداية تمرد سياسي أو عسكري فعلي.
فطارق صالح يمتلك قوات منظمة، وقنوات دعم إماراتية، ومنطقة نفوذ عسكرية استراتيجية، وهو بالتالي ليس مجرد نائب رمزي في مجلس القيادة.
وإذا ما شعر بأن موقعه السياسي مهدد، فإن خيار “التموضع المستقل” لن يكون مستبعدا، بل ربما بدأ فعليا عبر مؤسسات خدمية وعسكرية تنشط خارج سيطرة الحكومة المركزية في عدن.
كما أن التصعيد بين الأطراف لا يمكن فصله عن الاختلاف المتزايد بين السعودية والإمارات في الملف اليمني، رغم تحالفهما العام. فبينما تسعى الرياض إلى تسوية شاملة تتضمن الحوثيين، يبدو أن أبوظبي أكثر اهتماما بتأمين نفوذ دائم في السواحل اليمنية والموانئ الاستراتيجية، عبر وكلاء محليين موثوقين.
بمعنى أدق فإن التحالف العربي الذي بدأ كجهد عسكري لإعادة الشرعية، يتحول تدريجيا إلى فسيفساء مصالح متباينة.
والإشارات القادمة من تعز والمخا ليست إلا جزءا من مشهد أوسع لتآكل الثقة بين مكونات المجلس الرئاسي، وتحول التحالف من “جبهة واحدة ضد الحوثيين” إلى ساحات تنافس بين وكلاء إقليميين لكل منهم حساباته الخاصة.
في المحصلة، يبدو أن اليمن لا يعاني فقط من انقلاب الحو..ثيين على الدولة، بل أيضا من انهيار تدريجي في صفوف من يُفترض أنهم يمثلون الدولة الشرعية.
وإن لم تُبادر السعودية والإمارات إلى إعادة صياغة واضحة لمسارات دعمها، فإن بوادر التمرد قد تتحول إلى واقع جديد يعيد خلط الأوراق برمتها، على حساب الشعب اليمني اولا وأخيرا.
لكن في الحقيقة أنهم يستفردون بالرئيس وكأن مجلس القيادة الرئاسي مجرد صورة جماعية معلقة في صالة انتظار، لا صوت له إلا عبر بيانات باهتة.
فيما طارق صالح، الذي أمضى ثلاث سنوات في أحضان الحوثيين، يعود الآن ليتجمل بمشاريع إنارة وشوارع مرصوفة في المخا، وكأن ذاكرة اليمنيين خفيفة مثل غبار الساحل.
بل يكرر كل يوم: “وجهتنا صنعاء”، لكن بندقيته لا تزال موجهة جنوبا، وعقله مرهونٌ لحسابات ما بعد الحرب قبل أن تُحسم الحرب.
أما الرئيس العليمي، فيُعامل كموظف شرفي، محاط بالمجاملات، ومغيب عن القرار، وكأن الشرعية مجرد ديكور لتوازن القوى.
وكل ذلك باسم اليمن، الذي يموت يوميا بصمت، وهو يشاهد أبناءه يُقتادون من خنادق الدفاع إلى متاهات المكايدات.!
وكان رد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي ، على اتهامات عضو المجلس طارق صالح ، له بالاقصاء والتهميش ، كاشفا السر وراءها .
وقالت مصادر إن العليمي سرب لمواقع موالية له ، أن سبب هجوم طارق عليه ، رفضه ابتزازه باصدار قرارات تعيين لمحسوبين عليه ، بينها ترشيحه مقربا منه نائبا لرئيس هيئة التشاور والمصالحة . العميد صادق دويد.
واضافت أن طارق يضغط على العليمي أيضا لتعيين شقيقه عمار في رئاسة جهاز امن الدولة المشكل العام الماضي ، لكنه قوبل بالرفض .
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع