وطن ضاع من بين أيدينا …للتاريخ

تم النشر بتاريخ 8 يونيو, 2025

محمد الحضرمي

علي عبدالله صالح، رغم كونه خصماً سياسياً للجنوب، لم يكن خصماً خبيث النوايا ولا بوجهين. كان صدامه مباشراً، وصوته واضحاً، وموقفه، وإن كان عدوانياً، إلا أنه لم يتخفَّ خلف الأقنعة. قال ما قاله في السر كما في العلن، واعترف صراحة باحتلال الجنوب عسكرياً دون خجل أو تورية. وكان الحراك الجنوبي في ذروة عنفوانه، ممثلاً برجال صدقوا، لم تلن لهم قناة، ولم يعرفوا المساومة، وكانت قضيتهم بوصلتهم الوحيدة.

أما اليوم، فالخذلان جاء من حيث لم نتوقّع. من بعض من انتموا إلى الجغرافيا ولم ينتموا إلى القضية. من صمتوا طوعاً، وارتضوا أن يكونوا شهود زور على اغتيال المشروع الوطني الجنوبي. الألسنة خرست، والقبضات تراخت، والعيون التي كانت ترنو إلى الأفق، باتت لا ترى أبعد من أرنبة المصالح. العدو لم يغيّر خُطّته، لكننا نحن من بعنا الطريق وضللنا الاتجاه.

لقد ظننا أن الحراك الجنوبي لحظة خلاص من عقد التاريخ وأوهامه، لكنه كان بالنسبة للبعض محطة عابرة، انتهت بانتهاء مكاسبها، فانكشفت النفوس وافتضح الزيف. فشِلنا، نعم، لأننا لم نُحصّن الوعي، ولم نُنقِّ الذاكرة من شوائبها. فشِلنا لأننا منحنا الولاء للأشخاص لا للمبدأ، وللمصلحة لا للقضية.

إن ما يعيشه الجنوب اليوم ليس عثرة طريق، بل انهياراً أخلاقياً وسياسياً يحتاج إلى يقظة شاملة، يقودها أحرار نذروا أنفسهم لما هو أكبر من الكراسي والولاءات. لقد آن للجنوب أن يُراجع نفسه، أن يُنقّي صفوفه، وأن يستعيد بوصلته. فالمرحلة أخطر من أن تُدار بالمواربة، والسكوت خيانة، والتخاذل جريمة. وعلى النخب الحقيقية، في الداخل والشتات، أن تتقدم لا أن تراقب، أن تبني لا أن تلعن، أن تصنع الفرق قبل أن يُغلق التاريخ صفحته على وطنٍ ضاع بين أيدينا ونحن ننظر إليه.

Left Menu Icon
الرئيسية