تم النشر بتاريخ 11 مايو, 2025
تحقيق استقصائي يكشف كواليس ما جرى في مطبعة النبراس بعدن:
ـ حريق مروّع،
ـ إعلان وفاة دون دليل،
ـ “ضحية” يعود للحياة ويتحول إلى الجاني،
ـ تواطؤ إداري هدفه صرف تعويض تأميني ضخم.
لكن الصدمة الأعمق:
أولياء دم الضحايا هم من قادوا القضية في النيابة العامة، في وقت اكتفى فيه أصحاب المطبعة بترويج رواية “الماس الكهربائي” سعياً خلف مليون ونصف دولار، ثم تخلوا عن كل وعودهم لأهالي الضحايا، وطلبوا منهم أن يذهبوا للسجن لأخذ حقهم بأنفسهم!
من يحمي الحقيقة؟
ومن يتاجر بالدم؟
تحقيق :محمد عبدالصمد الشعبي
من تحت رماد النبراس: نطقت الجريمة… واحترقت الحقيقة
في يوم 29 أغسطس 2024، اندلع حريق ضخم في مطبعة النبراس بمدينة عدن، أودى بحياة خمسة عمال كانوا نائمين في الطابق العلوي من الهنجر.
لكن ما أعقب الحريق من سلسلة أحداث وتحركات مشبوهة قلب الرواية رأسًا على عقب، من إعلان وفاة مشبوه، إلى تواطؤ قانوني وإداري، وصولًا إلى اكتشاف أن “الضحية” المعلنة هو الجاني الحقيقي.
الفصل الأول: الحريق – ستة عمال ونهاية دامية
كان ثمانية من عمال مطبعة النبراس متواجدين في الطابق العلوي من الهنجر ليلة الحريق، وتمكن اثنان فقط من النجاة بالقفز إلى الخارج.
أما الستة الباقون، فقد حاصرتهم النيران، ولم يتمكنوا من الهروب من الفتحة العلوية المفتوحة في الطابق الثاني.
رجال الإطفاء تمكنوا من استخراج خمس جثث محترقة فقط، فيما لم يُعثر على أي أثر للعامل السادس، وضاح الحكيمي، الذي قيل إنه كان معهم وقت الحادث.
الفصل الثاني: إعلان وفاة وضاح دون دليل
رغم غياب جثة سادسة مؤكدة، سارعت إدارة المطبعة في اليوم التالي إلى إعلان وفاة وضاح الحكيمي، مستندة إلى بقايا عظام بشرية تم العثور عليها لاحقًا، دون أي تحقق شرعي أو طبي رسمي.
لم يتم انتظار تقرير الطبيب الشرعي، ولم تجرِ النيابة العامة أي إجراءات فنية لتأكيد هوية البقايا.
أسئلة مشروعة برزت حينها:
من منح إدارة المطبعة صلاحية إعلان وفاة شخص مفقود؟
وأين كانت السلطات من هذا التجاوز؟
هذا الإعلان العشوائي لم يكن سوى بداية لمسار طويل من التلاعب، حيث بدا أن هدف الإدارة كان تثبيت رواية مسبقة مهما كانت الحقيقة.
الفصل الثالث: الجنازة والعزاء – سيناريو مرتب
بعد استلام جثث الضحايا الخمسة، تم دفنهم عصر الجمعة 30 أغسطس في محافظة لحج.
وفي اليوم التالي، السبت، وبعد العثور على بقايا إضافية، زعمت الإدارة أنها تعود لوضاح، فأعلنت عن العثور على جثته وتم دفنها في سيناريو غريب ومريب، ومن ثم أقامت لجميع الضحايا الستة عزاء رسمي يوم الأحد 1 سبتمبر في قاعة ماس – المنصورة.
ولكن لم يكن العزاء نهاية القصة… بل بدايتها الحقيقية.
الفصل الرابع: العودة الصادمة – وضاح على قيد الحياة
بعد خمسة أيام من إعلان وفاته، تلقّت عائلة وضاح معلومات تؤكد أنه لا يزال حيًا.
وبالفعل، تم تتبعه حتى أجبر على الحضور إلى مقر المطبعة ظهر الخميس، وهناك استُقبل بصفعة مدوية من جمال الحكيمي – رئيس مجلس الإدارة – الذي قدم من صنعاء خصيصًا لذلك.
اقتيد بعدها مباشرة إلى شرطة المنصورة، حيث ظل محتجزًا لأربعة أيام دون أي تحقيق.
وخلال استجوابه الأولي، أكد وضاح أنه غادر المطبعة الساعة 3:30 فجرًا، أي قبل اندلاع الحريق بقليل.
الفصل الخامس: تواطؤ، ضغوط، وتزييف للحقائق
خلال احتجازه، كان جمال وتوفيق الحكيمي – وهما أبناء عم، وأصحاب المطبعتين النبراس والسمو – يزورانه في السجن، ويمدّانه بمصروف شخصي، ويطالبانه بعدم تغيير أقواله!!
الرواية التي سعوا لترسيخها كانت: “ماس كهربائي تسبب في الحريق”، وهي رواية إن ثبتت، تضمن لهم الحصول على تعويض التأمين.
مليون ونص مليون دولار!!
لكن الوقائع كانت عكس ذلك:
كاميرات الشارع أظهرت وضاح يغادر مسرعًا قبل الحريق بدقيقة أو اثنتين.
تقرير رسمي من مؤسسة الكهرباء أكد أن التيار كان مقطوعًا وقت الحريق.
ورغم هذه الحقائق، أصرّ أصحاب المطبعة على نفي الشبهة الجنائية، بل قاموا بتوكيل محاميين لتمثيل وضاح، ليس لحمايته، بل لضمان التزامه بالرواية المفبركة أمام أولياء دم الضحايا.
الفصل السادس: من سعى للعدالة فعلاً؟
في مفارقة مؤلمة، كان من المفترض أن تكون إدارة المطبعة هي الطرف الأكثر حرصًا على كشف الحقيقة ومتابعة ملف القضية في أروقة النيابة العامة.
لكن ما حدث كان العكس تمامًا.
إذ انشغلت الإدارة فقط بإثبات أن الحريق كان عرضيًا – ماس كهربائي – من أجل تسريع إجراءات صرف تعويض التأمين البالغ مليون وخمسمائة ألف دولار.
أما من تابع القضية وفتح ملفاتها وواجه النيابة بحقائقها فكانوا أولياء دم الضحايا.
هؤلاء هم من بذلوا الجهد والوقت لإثبات الحقيقة التي حاولت الإدارة إخفاءها.
الفصل السابع: انهيار الرواية واعتراف الجاني
بعد شهر من الضغوط المتواصلة، اعترف وضاح أمام النيابة بأنه هو من أشعل النار عمدًا، بعد إشعال أوراق تالفة وفتح صمامات الغاز، انتقاما من مالك المطبعة الحاج عبد الباقي الحكيمي ومن رئيس مجلس إدارتها جمال الحكيمي بسبب خلافات شخصية!!
ما تسبب بحريق هائل أودى بحياة خمسة من عمال المطبعة واحتراق المطبعة بالكامل.
في لحظة واحدة، انهارت كل محاولات التغطية، وكل السيناريوهات الملفقة، وكل الوعود الكاذبة.
لكن كانت هناك مفاجأة أخيرة: تم العثور على الهارد ديسك الخاص بالمطبعة – الذي ربما وثّق كل شيء – لكنه كان محروقًا بالكامل.
الخاتمة: من يحاسب من؟
ما حدث في قضية وضاح الحكيمي لم يكن مجرد حادث عمل، بل جريمة مركبة:
إعلان وفاة دون تحقق شرعي.
تضليل النيابة والرأي العام.
تلاعب بالأدلة وتوجيه السرد الإعلامي.
تخلي عن المسؤولية تجاه الضحايا وذويهم.
الضحايا الحقيقيون لم يكونوا فقط أولئك الذين احترقوا في الطابق العلوي، بل أيضًا العدالة، والضمير، وكرامة القانون.
دعوة مفتوحة للمحاسبة:
إن هذه القضية، بكل تفاصيلها المؤلمة، تستوجب:
فتح تحقيق شفاف ومستقل بإشراف جهات عليا.
محاسبة من أصدر إعلان الوفاة دون ترخيص.
مراجعة سلوك إدارة المطبعة وممثليها القانونيين.
تابعوا التسلسل… لتعرفوا من يتلاعب بمن.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع