الأحزاب التي صارت “حوانيت” عائلية: كيف تحولت السياسة إلى سوق لبيع الأوهام؟

تم النشر بتاريخ 10 مارس, 2025

فتحي أبو النصر

في زمان غابر، حين كانت السياسة ميدانا للنضال وليس مجرد وظيفة مُربحة، وُجدت الأحزاب لتكون صوت الجماهير، منبرا للطبقة الكادحة، وعنوانا للنضال الوطني والقومي والاممي.
على إنه كانت البرامج تُكتب بالحبر المخلوط بالعرق والدم، والشعارات تُرفع بصدق يتجاوز الخطب المنمقة، وكانت الجماهير، رغم بؤسها، تصدق أن السياسة قد تخلق التغيير.

لكن، في مسرح العبث الذي نعيش فيه اليوم، تحولت الأحزاب إلى شركات عائلية صغيرة، وأصبحت السياسة مجرد لعبة تجارية تُدار بعقلية السوق السوداء.
نعم ، لم تعد الأحزاب تعني بالأفكار، بل أصبحت مجرد لافتات يبيع أصحابها المواقف كما تُباع الخضروات في الأسواق الشعبية—عرضٌ وطلب، ومن يدفع أكثر يحصل على “موقف مبدئي” ساخن وطازج!

ولنتوقف عند حقيقة ساطعة: معظم الأحزاب التي كانت تدّعي تمثيل الأمة اليمنية تحولت إلى مشاريع أسرية بامتياز. تجد الأب هو الزعيم، والابن هو الأمين العام، والزوجة تدير الشؤون المالية، والصهر مسؤول عن العلاقات الخارجية، والابن الأصغر “مراقب عام” لتوزيع المصالح على الأقارب. فيما الحزب لم يعد مؤسسة سياسية، بل أصبح نسخة حزينة من المسلسلات التركية الرديئة فيما كل شيء يدور في فلك العائلة!
وفي ظل هذا الانحطاط، لم يعد مطلوبا من العضو الحزبي أن يكون مثقفا أو مناضلا، بل يكفي أن يكون قريبا بالدم أو “حذقاً” يعرف من أين تؤكل الكتف، ويفهم قواعد اللعبة: التزلف، التصفيق للزعيم، للأمين العام ،وانتظار فتات الموائد السياسية.

والحق أقول لكم:هل تساءل أحدكم كيف يُشترى “الموقف السياسي” هذه الأيام؟ ببساطة، كما تُشترى أسهم البورصة: اليوم هذا الحزب ضد التطبيع، غداً مع التطبيع—حسب السعر.
اليوم يرفع شعارات مناهضة الفساد، وغداً يعقد صفقة مع الفاسدين أنفسهم.
نعم ،القضية ليست المبادئ، بل “الظرف المالي” المناسب.

من هنا فإن الحزب الذي كان يدعي تمثيل الفقراء أصبح يتلقى تمويله من أغنياء الحرب.
الحزب الذي صدع رؤوسنا بشعارات الوطنية والقومية والوحدة بات يوقع عقود “شراكة” مع مشاريع التقسيم. الحزب الذي كان يرفع راية المقاومة أصبح شريكا في حفلات المصافحة الدبلوماسية مع العدو.

وبينما نحن، البسطاء، لا نزال نتحدث بحسن نية عن الوطنية، والطبقة الكادحة، والمبادئ، نجد أن “القيادة الحزبية” قد حولت هذه المبادئ إلى سلع معروضة في مزادات السياسة.

أما نحن—البسطاء، المؤمنون بالوطنية والقيم—فلا زلنا في طوابير المنتظرين. نظن أن الحزب الذي دعمناه بالأمس سيظل وفيا ولايخون،بل ونرفض التصديق بأن قادتنا باعونا عند أول فرصة.
لكن الحقيقة أن الأحزاب باتت تشبه مصانع الوهم، فيما يتم إنتاج الخطابات الرنانة وتصريفها إلى جمهور متعطش للحلم، بينما القادة الحقيقيون مشغولون بإدارة حساباتهم البنكية في الخارج.

في الحقيقة ربما يكون السؤال الأكثر وجعاً: هل يمكن إصلاح هذه الأحزاب؟ الجواب الواقعي: لا، لأنها لم تعد مجرد كيانات سياسية، بل شركات عائلية، وتحطيمها يعني حرمان “الملاك” من مصدر رزقهم.
لكن يبقى الحل في يد الناس: في تجاوز هذه الأحزاب العاجزة وصناعة بدائل حقيقية، أو على الأقل، فضح هذه “الدكاكين السياسية” بلا هوادة.

لنخلص إلى أن لم نستطع تغيير هذا الواقع، فلنكتفي بفضحه والضحك عليه، فالسخرية آخر ما تبقى لنا في هذا الزمن الكارثي!

Left Menu Icon
الرئيسية