دعوة الأمير تركي الفيصل خطوة تتطلب استجابة أعمق من الترحيب الحكومي

تم النشر بتاريخ 6 مارس, 2025

المهندس حافظ قائد سيف

يعيش اليمن في دوامة من الهشاشة والصراع المستمر، حيث التنافس على موارد محدودة، وتسيطر على الساحة الرواية السائدة التي تعتبر أي مكسب لطرف خسارة للطرف الآخر. هذه الدوامة لا تقتصر على الجغرافيا اليمنية فقط، بل تمتد إلى الدول المجاورة، مهددة الاستقرار الإقليمي والدولي. في قلب هذ المازق ، يعيش اليمنيون اسوا أزمة إنسانية .

في هذا السياق، نحن بحاجة إلى رؤية تتجاوز التعاون كوسيلة لتجاوز الانقسامات، بل لخلق فرص حقيقية للجميع لتحريك الأمور في الاتجاه الصحيح بعيدًا عن السيناريو الذي يضعنا في صفقة التربح في يد القوى العالمية. وقبل حلول شهر رمضان، يبرز صوت حكيم من الأمير تركي الفيصل، الشخصية الوازنة في الخليج، وهو يدعو إلى دمج اليمن في منطمة التعاون الخليجي. هذه الدعوة التي تستطيع الاستجابة لجذور الأزمة اليمنية كان يجب أن تكون حافزًا لليمنيين لصياغة رؤية للمستقبل، بعيدًا عن الترحيب التقليدي. فهي فرصة للنظر للأزمة من زاوية أخرى: فإذا كان البعض يعتقد أن السلام مستحيل في ظل الظروف الحالية، فقد يكون تقديم بديل اقتصادي مغرٍ هو الخيار الأكثر جاذبية.

ورد في تقرير التنمية البشرية 2025 أن عدسة المنافع المشتركة هي منهجية لا تساعدنا فقط في التعامل مع التعقيدات من خلال دورات حميدة من التعاون و بناء الثقة، بل توفر أيضًا الفرصة لتحدي النزعة المدمرة للكسب على حساب الآخرين. التوجه نحو التعاون بدلاً من الصراع سيحول المشاكل إلى فرص يعود نفعها على الجميع.

اليمن اليوم أمام فرصة لإعادة تأطير أزمته من خلال رؤية اقتصادية شاملة، تتجاوز النقاشات العقيمة التي لم تؤدِ إلا إلى المزيد من الجمود. يجب أن تسبق هذه الرؤية الاستقرار بدلاً من أن تنتظره.

يجب أن يبدأ هذا التحول بتطوير رؤية يمنية متكاملة، تشارك فيها جميع الأطراف المعنية من خبراء اقتصاديين، رجال أعمال، وصناع قرار. بهذه الطريقة، لا يصبح الحديث عن الاندماج الخليجي مجرد أمل أو أمنية، بل خارطة طريق مدروسة تقدم حلولًا عملية وتستفيد من التكامل الاقتصادي كأداة لتحقيق الاستقرار، بدلاً من أن يُنظر إليه كجائزة لما بعد الاستقرار. اليمن لا يمكنه الانتظار حتى تستقر الأوضاع ليبدأ في البحث عن فرصه، بل يجب أن يكون الاقتصاد هو المحرك الأساسي للاستقرار عبر خلق مسارات جديدة للتعاون، والتي من خلالها يتم التعامل مع اليمن كجزء من المنظومة الإقليمية بدلاً من أن يكون مجرد ملف أمني.

إن صياغة هذه الرؤية لا تعني فرضها من طرف واحد، بل يجب أن تكون مساحة مشتركة تجمع بين مصالح جميع الفاعلين اليمنيين. عندما يصبح النقاش حول المستقبل اقتصاديًا بدلاً من أن يكون صراعًا على السلطة، ستجد القوى المختلفة نفسها مضطرة لإعادة حساباتها. لا يمكن لأي طرف أن يبقى معزولًا عن مشروع يُعيد تعريف اليمن كفرصة استثمارية بدلاً من أن يبقى عبئًا على محيطه.

حين يُدفع بهذا التصور إلى الأمام، لن يكون النقاش حول التكامل الخليجي مجرد مناقشة نظرية، بل سيصبح مشروعًا عمليًا يُجبر الحكومات والمؤسسات المالية والقطاع الخاص الخليجي على التفاعل معه بجدية. عندها، سيُحول هذا المشروع إلى فرصة حقيقية لتغيير موازين القوى على الأرض.

لا ينبغي أن يُنظر إلى هذه الرؤية الاقتصادية كبديل للحلول السياسية، بل يجب أن تكون مسارًا موازًٍا يخلق ديناميكية جديدة داخل المشهدا اليمني والخليجي. فعندما تدخل المصالح الاقتصادية إلى المعادلة، سيجد الجميع أن التمسك بمربعات الصراع لم يعد مجديًا كما كان في السابق. بل على العكس، سيظهر حافز للتخلي عن التعطيل والانخراط في مسار يحقق مكاسب حقيقية.

اليوم، هناك فرص واضحة يمكن البناء عليها لإثبات جدوى هذا التعاون، مثل العمل معا على تعزيز وتنظيم المنتجات اليمنية لدخول الأسواق الخليجية ، وتسهيل إدماج العمالة اليمنية في سوق العمل الخليجي من خلال برامج تدريب تجعلها بمستوى العمالة الآسيوية، وتعزيز الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة. حتى لو بدأت هذه الخطوات بشكل محدود، فإن تأثيرها التراكمي سيسهم في تحويل التكامل إلى حقيقة واقعة وليست فكرة مؤجلة.

إذا تم دفع هذه الرؤية بشكل صحيح، يمكن أن نرى نتائج ملموسة خلال فترة وجيزة، حيث سيشعر اليمنيون بأثر هذا التحرك في حياتهم اليومية. بدلاً من انتظار “ما بعد الحرب”، ستبدأ مشاريع حقيقية على الأرض تخلق وظائف وتوفر فرص دخل، مما يجعل التعاون الاقتصادي بديلاً عمليًا عن اقتصاد الحرب.

عندما تبدأ هذه المشاريع في تقديم نتائج ملموسة، فإنها ستولد ضغطًا شعبيًا واسعًا لدعم هذا المسار، مما سيقلل من قدرة القوى السياسية والعسكرية على تعطيل هذه الجهود. وبذلك، ستتضح الصورة: من يريد أن يكون جزءًا من المستقبل، ومن يريد أن يبقى عالقًا في الماضي؟

الاستنتاج: لا يجب أن تضيع الفرصة مرة أخرى

إن التعامل مع دعوة الأمير تركي الفيصل على أنها طرح نظري مجرد هو خطأ استراتيجي، حيث تقدم فرصة نادرة لإعادة تعريف موقع اليمن في المنطقة. الفرق بين الدول التي تنهض وتلك التي تبقى غارقة في الأزمات هو القدرة على تحويل اللحظات التاريخية إلى مشاريع عملية. اليمن اليوم أمام لحظة تاريخية يجب أن تستثمر بذكاء.

إذا تم ترك الأمر للمسار التقليدي، فسنعود بعد سنوات إلى النقطة نفسها. لكن إذا تم التقاط هذه الفرصة بجرأة، وصياغة رؤية يمنية شاملة والدفع بها داخليًا وخارجيًا، سنكون أمام تحول حقيقي لا يمكن لأي طرف تجاوزه. الاستقرار لا يُنتظر، بل يُصنع، والمستقبل لا يُطلب، بل يُبنى.

Left Menu Icon
الرئيسية