تم النشر بتاريخ 8 فبراير, 2025
المهندس حافظ قائد سيف
طوال سنوات الهدنة في اليمن، لم يتمكن ممثلو المجتمع الدولي والإقليمي، إلى جانب القوى السياسية الداعية إلى السلام، من بلورة رؤية اقتصادية تعيد صياغة الأزمة ضمن إطار يفتح آفاقًا للحل، فظل التعامل مع الأزمة يقتصر على معالجات جزئية لم تلامس جذور المشكلة. إن معالجة الأزمة من منظور اقتصادي لا تعني إلغاء الأبعاد السياسية والأمنية، لكنها توفر قاعدة أكثر واقعية لبناء حلول قابلة للاستدامة، وتخلق حوافز مباشرة للأطراف المختلفة للانخراط في مسار سياسي أكثر جدية.
التكلفة الباهظة لاستمرار الحرب وهشاشة الدولة
إن التكلفة المحلية والإقليمية والدولية لاستمرار هشاشة الدول أو فشلها تتجاوز 260 مليار دولار سنويًا، وفقًا للدراسات العلمية حول تأثيرات الدول الهشة . وقد أدرك العالم هذه الحقيقة عندما برز مصطلح “الدولة الهشة” مع الأزمة الصومالية، حيث أدى انهيار الدولة هناك إلى تفشي الجوع، ومن ثم تحول لاحقًا إلى قرصنة بحرية هددت ازدهار التجارة العالمية. واليمن بحسب تصنيف صندوق السلام و تصنيف صندوق التعاون الاقتصادي و التنمية و تصنيف البنك الدولي على رأس هذا الدول وهو اليوم يثبت إنه يحمل مخاطر أكبر .
لكن استقرار اليمن لا يرتبط فقط بتجنب هذه الأضرار، بل يحمل أيضًا منافع اقتصادية محلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى المحلي، يفتح إنهاء الحرب الباب أمام إعادة الإعمار، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، وخلق فرص العمل، وهي العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تحسن سريع في مستويات المعيشة و انتزاعهم من دوامة الفقر التي ترمي بهم في احضان المليشيات و الجماعات المتطرفة . وعلى المستوى الإقليمي، يمكن أن يصبح اليمن شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا حيويًا لجيرانه بدلاً من أن يكون عبئًا أمنيًا عليهم. أما على المستوى الدولي، فإن استقرار اليمن يساهم في تقليل تكاليف المساعدات الإنسانية، ويحد من موجات الهجرة غير الشرعية، ويضمن أمن الممرات الملاحية الحيوية.
غياب الرؤية الاقتصادية يعزز اقتصاد الحرب
إن استمرار غياب رؤية اقتصادية واضحة في خطط السلام لا يعني فقط إطالة أمد الصراع، بل يسمح لاقتصاد الحرب بالتجذر أكثر، مما يجعل الخروج من الأزمة أكثر تعقيدًا. فالحرب خلقت منظومة اقتصادية موازية تعتمد على استغلال الفوضى، وتوزيع النفوذ بين شبكات المصالح التي تستفيد من استمرار القتال. وقد أدى ذلك إلى تحول اليمن إلى بيئة اقتصادية طاردة لرأس المال والاستثمار، مما يعمق الأزمة، ويزيد من اعتماد السكان على الاقتصاد غير الرسمي، والمساعدات الخارجية غير المستدامة.
إن أحد الأخطاء الرئيسية التي ارتكبتها المبادرات الدولية والإقليمية هو تجاهل كيفية إعادة دمج اليمن في الاقتصاد الإقليمي والدولي، والتركيز فقط على ترتيبات أمنية وسياسية هشة. فكما أن الحرب تغذي اقتصادًا قائماً على الفوضى والاستغلال، فإن غياب البدائل الاقتصادية القابلة للحياة يمنع الانتقال نحو الاستقرار والسلام الدائم.
إعادة تأطير السلام من منظور اقتصادي
إن نجاح أي عملية سلام في اليمن يتطلب إعادة تأطير القضية اليمنية من منظور اقتصادي، بحيث تكون هناك حوافز ملموسة لكل الأطراف للدخول في تسوية سلمية. وهذا يشمل وضع خارطة طريق اقتصادية تتضمن إعادة الإعمار، وإعادة هيكلة الاقتصاد اليمني، وربط اليمن بمشاريع تنموية إقليمية ودولية تساعد على تجاوز العوائق السياسية والأمنية.
إن أمام اليمنيين والمجتمع الدولي فرصة لإعادة توجيه المسار نحو سلام مستدام من خلال رؤية اقتصادية تتيح للجميع مكاسب حقيقية. فالمطلوب ليس مجرد إنهاء الحرب، بل بناء أسس قوية لاقتصاد يعزز الاستقرار والتنمية، بدلاً من ترك الأمور للصدفة أو الحلول المؤقتة.
خاتمة: الاقتصاد كمدخل للسلام المستدام
إن تحقيق السلام في اليمن لن يكون ممكنًا دون معالجة الأبعاد الاقتصادية للأزمة، فالرؤية الاقتصادية ليست ترفًا، بل ضرورة لإعادة بناء الدولة، وخلق بيئة مستقرة تنهي دوائر الصراع، وتفتح الباب أمام مستقبل أكثر ازدهارًا.