القصاص لا سواه !!

تم النشر بتاريخ 9 يناير, 2025

محمد علي محسن

واجهنا الحوثيين بشجاعة وشرف الذائدين عن وطن وكرامة ، فسقط منَّا الكثير من أحبابنا ورفاقنا وأولادنا ونحسبهم جميعًا شهداء .
تضمٌَخ التراب بدم الرجال المؤمنين بعدالة القضية في زمن الحاكم الأوحد صالح ، ضاق الثرى بقرابين حصدها بارود الجماعات الإرهابية .

بقينا واقفين ، لم يثننا الألم ، أو تنال منَّا دموع الحزن ، زادنا الوجع قوة وثبات وإصرار على الوفاء لمن احببناهم واوجعنا فقدهم ، وعلى مواصلة درب الكرامة والحرية .

خط مستقيم رسمه الشهداء الأبرار ، لا حياد أو خوف أو تراخي يمكنه حمل راية الإنتصار ، النصر لا تحققه أمنيات الخائفين أو دعوات المنافقين ، وإنما ينجزه الأتقياء المخلصين ، وتمهد جادته دماء وأرواح المؤمنين الشجعان .

ومع مأثرة الإنتصار ، ونشوة التحرير ، وقفنا عاجزين إزاء رصاصة غادرة آتية من مسدس صديق أو رفيق أو دنيء . تملَّكنا الذعر بينما الهلاك ينام ويصحو بين ظهرينا ، ينتقي ضحاياه بخسِّة ونذالة ، غادرًا بأجمل المنايا ، ومتغشيًا بثوب الطهر والإخلاص للواجب وللقضية .

شهداء سقطوا غدرًا وظلمًا وعدوانًا . شهداء قُتلوا بلا ذنب أو جريرة غير أنهم أخيار لا يشبهون قَتَلتهم الأشرار .

أتذكر قول القس الأمريكي لوثر كنج الرجل الأسود العنيد ، زعيم ثورة المساواة بين بني جلدته من ذوي السُحنة السوداء ، أقنان العبيد منذ وطأة أقدامهم الأرض الجديدة ، وبين مُلَّاكهم من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء .

قال جملة لا تمحى من ذاكرة الإنسانية جمعاء ” ما أحزنني ليس أفعال الأشرار وإنَّما صمت الأخيار ” .
فما أشبه الرصاصة التي انتزعت روحه غيلة ، في ستينيات القرن المنصرم بالرصاصة التي أطفأت وهج صديقي المشتعل حلمًا ونبلًا الزميل الصحافي زكي السقلدي .
في هذه الحرب الملعونة فقدت عديد من الأقارب والاصحاب والرفاق ، ومع مواراة كل جثمان أجدني مواسيًا ذاتي بكونهم ماتوا دفاعًا عن حقهم ووجودهم ، ماتوا بشرف وفخر .
فليس هناك ما يستوجب الحزن الطويل على أبطال كرماء ، فهؤلاء نذروا حياتهم بسخاء وكبرياء وإيثار من أجل أن نعيش وننعم بالحياة .

ولكن النَّار لا تخلِّف غير رماد لا نبض فيه أو فائدة ، فعلام عظ أصابع الندم ؟ وعلام الحسرة على اولئك الذين يقترفون الآثام ويفعلون المشين والحرام ؟ ليذهب هؤلاء إلى الجحيم ، فلا نفع منهم أو فخر ، ففعلهم مخجل ، فما أسوأ الموت المخجل المخزي .

لا أجد تعبيرًا صادقًا عن وجعي بأغتيال أُناس أبرياء عُزَّل ، فمن ذا الذي يتشرَّف أو يباهي بقتلة المهندس عبدالله احمد حسن ، بينما كان آيبًا لمسكنه وعائلته ، فأبت رصاصة الشر الَّا إن توقف خفق قلبه في ذينك المساء الكئيب .
قصة اغتيال الصديق عبد الرقيب ملك الإبتسامة تثقل كاهلي ، تنغِّص حياتي ، فعن أي قابيل أحدثكم ؟ صوت ابنته المكلومة لم يتوقف ، يشق عنان الفضاء ، سمعته الملائكة ورب السماء .
باستثناء خيار البشر الذين تواروا بعيدًا عن مسرح الجريمة ، بقوا متيقظين فقط لسماع اسم الضحية وبكونهم ناجون وأحياء ، والحقيقة أنَّهم موتى وهم أحياء يتنفسون ويسمعون ، إنَّهم كالقرد الهندي : لا أسمع ، لا أرى ، لا أتكلم “.

من اي مُضغة تخلَّق السفَّاح الذي صبَّ جام بغضه وخسته على أربعة عمال سرويس قاتلًا منهم ثلاثة ورابع نجا وباعجوبة ؟ .

كيف سمحنا لشخص يعاني من عقدة اضطهاد ودونية اغتيال مشعل تنوير ووعي مثل الدكتور خالد الحميدي ، دكتور جامعة ، وفيلسوف مجتهد باحثًا عن دولة عدل ومساواة ورخاء وسلام .
جاري الذي انتظرت مقدمه إلى مسكنه الجديد في الحي الذي اسكنه ، فأبى الأشرار إلَّا أن يغتالون فرحته قبل رمضان ، تاركين عائلته وأقاربه وجيرانه في كدر وضيق .

ما كان ممكنًا لمعتوه اغتيال خالد غيمان صاحب الوجه المشرق بالأمل لولا خذلان الرجال الذين خافوا القتلة بدلًا من خشيتهم من رب العباد الذي غادروا بيته وعلامات السجود تتصدر ناصية رؤوسهم ؟ .

في كل صلاة جمعة اشاهد الشاب عماد عراش مقرفصًا في زاوية الجامع بنصف وجه وبصر . كيف لصديق يشاركك وجبة الإفطار ومن ثم يضغط زر هاتفه ليعلم القاتل المأجور بوجهة صديقه ، وبعد دقائق فقط ترتسم فرحة الخلاص ممن أطعمه .

هل قد سمعتهم يومًا بعصابة إجرامية منطلقها الحصن المنيع إدارة الأمن ؟ وهل حدث أن القائد الهُمام من يفترض أنه حامي حمى الديار والأرواح كان زعيمًا لعصابة قتل وحرابة وترويع الآمنين ؟ .
هل سبق لكم رؤية بلاطجة وسفَّاحين وخارجين عن النظام وهم جالسون في دار الأمن والأمان يمضغون أغصان القات ويتباهون بالاثم والبغي عقب كل جريمة ؟ .

لا عزاء لرفاقنا إلَّا القصاص ، لا عزاء لتلك الأرواح المغدور بها غيلة إلَّا تنصيب المشانق وإقامة حدود الله فيهم .. لا عزاء لذوي الضحايا سوى تحقيق العدالة كاملة دون اختلال أو نقصان .
لا عزاء للنَّاس غير تنظيف الحياة من الأشرار وأفعالهم ، لا شيء يرضي الله ورسوله غير إحقاق الحق وإنفاذ حدود الله امتثالا لقوله تعالى : ” ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ” .
دعاء :
“اللهم إنَّنا أبرياء مما فعله أو سيفعله شرار القوم ، أرينا فيهم عجائب قدرتك ، اللَّهم لا تسلط علينا من لا يخافك أو يرحمنا ، اللَّهم نسالك ان تجعلهم آية وعبرة لكل من تسول له نفسه المساس بدماء وأرواح وأموال وكرامة النَّاس ” .

Left Menu Icon
الرئيسية