عملية السلام والعلاقات المستقبلبة بين اليمن ودول الجوار من زاوية إقليمية

تم النشر بتاريخ 3 يناير, 2025

د. عمر العودي

“علينا أن نتعود على مواجهة الحقائق، ونحسن التعامل معها، فقط لكونها حقائق، ولا ننجر وراء الأوهام والأكاذيب، حتى لا تعمى أبصارنا عن الحقائق.. هكذا حتمًا سننجو”.
أبدًا بتحية كبيرة للمنظمين والمشاركين في هذه الندوة، في اليوم الوطني للسلام، الأول من يناير، ونحن في أول يوم من العام الجديد 2025م، إذ نتمنى أن يكون هذا العام، عام السلام والتسامح في اليمن، وعام التعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي مع دول الجوار والإقليم بشكل عام؛ لما تقتضيه اللحظة من شدة الهجمة الشرسة للعدو الصهيوني على بلداننا العربية.
في بداية هذه الورقة، أود التأكيد على حقيقة بصفتي مواطنًا يمنيًا أن السلام قبل أن يكون مطلبًا خجولًا للنخب السياسية، فهو مطلب ملح وحقيقي لأكثر من ثلاثين مليون مواطن يمني. الحقيقة الثانية أن الحروب والصراعات الدموية في اليمن، ليس للشعب اليمني فيها ناقة ولا جمل، بما فيها الحرب التي بدأت في 26 مارس عام 2015، واستمرت إلى يومنا هذا، والتي يمكن اعتبارها هروب بعض النخب السياسية والقبلية والنافذين في السلطة من رموز الدولة العميقة التي وقفت عبر أكثر من أربعة عقود ضدًا على تأسيس الدولة المدينة الحديثة، دولة النظام والقانون، فعملت على الهروب من الخيارات الوطنية المستحقة إلى خيارات الأزمات والحروب. وسنعطي مثالًا بسيطًا وقريبًا من حيث التوقيت الزمني خلال الفترة التي بدات بإعلان وحدة اليمن في مايو 1990. وحقيقة إن هذا الحدث التاريخي بحد ذاته كان فرصة كبيرة لتأسيس مداميك دولة مدينة حديثة، دولة المؤسسات والنظام والقانون، لو توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك. وخلال فترة الأزمات التي مرت آنذاك بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، باعتبارهما شريكي التوقيع على اتفاقية الوحدة، والتي نتجت عن مخالفات لبنود اتفاقية الوحدة بتسيد منطق الغلبة والاستقواء، وغياب أي منطق للشراكة الوطنية تمامًا، وكان لها نتائج كارثية ليس على جنوب يمننا الحبيب فحسب، بل على كل اليمن دون استثناء. وخلال تلك الأزمات أنتجت وثيقة العهد والاتفاق، وهي وثيقة وطنية تاريخية تمثل مكسبًا سياسيًا لليمن واليمنيين، لم يتحقق في أي وقت، والتي تم توقيعها في عمان، وكانت أيضًا كفيلة بإنتاج حل وطني يمني لكافة الخلافات؛ كون ما جاء في الوثيقة يؤكد على نفاذ سلطة الدولة وتطبيق النظام والقانون، بما تضمنته من مطالبات بالكشف عن القتلة والمجرمين الذين تورطوا في الاغتيالات السياسية لعدد كبير من الكوادر الحزبية للحزب الاشتراكي اليمني، وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة التي ناصرت الدولة المدينة الحديثة، فتم القفز على تلك الاتفاقية، بإعلان حرب صيف 94، من قبل تحالف 7/7، والتي شكلت ضربة قاضية للوحدة اليمنية التشاركية، وحلت محلها الوحدة الإقصائية، وحدة الأصل والفرع، وحدة شعارها “الوحدة أو الموت”، وليس الوحدة والحياة، والجميع يعرف ما تعرضت له مؤسسات الدولة في الجنوب من نهب واستحواذ من قبل الفاسدين في النظام المنتصر في تحالف 7/7، بدلًا من الحفاظ عليها وتطويرها في جو وحدوي وطني صادق، وبذلك تم قتل وحدة الشراكة الوطنية، وهنا أيضًا ضاعت الفرصة الثانية لتأسيس الدولة المدينة، وانتصرت فيها التحالفات العسكرية والقبلية والدينية، وهذا يعكس أن توقيع اتفاقية الوحدة، على رغم كونه مطلبًا شعبيًا لكل اليمنيين، فإنه قد اعتبر من وجهة نظر السلطات بعد الوحدة، قد كان نابعًا ومبنيًا على مشروع فردي وجهوي لتحقيق مصالح شخصية. واستخدمت الوحدة، في ما بعد، كشماعة مفرغة من محتواها الوطني، لابتزاز الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا، ومن يختلف مع السلطات سرعان ما تتم إدانته بتهمة الانفصال أو الردة عن الدين.
اسمحوا لي أيها الأعزاء أن أتحدث في هذا المحفل، وأن أخرج قليلًا عن لغة الدبلوماسية الممجوجة التي دأبت عليها النخب السياسية التي ربطت مصالحها بالسلطة القائمة، ولم تتجرأ يومًا على قول الحق ونقد الواقع المؤلم والممارسات الخاطئة للسلطة منذ حرب صيف 94 حتى عام 2011، التي تجلت فيها مظاهر الاحتقان السياسي والاجتماعي على مستوى اليمن بأكملها، حيث إن هذه الاحتقانات أيضًا أدت إلى التوافق على مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وأيضًا من خلال هذا المؤتمر الحواري اليمني أعطى مخرجات كانت بمثابة سفينة نجاة لليمن من المصير الكارثي الذي نعيشه اليوم. إذ إن ما حدث بعد الإعلان عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، سارعت التحالفات القبلية والعسكرية إلى الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني، وكالعادة كان تفجير الحرب هو الوسيلة المعتادة للسلطة الفردية كوسيلة للهروب من الاستحقاقات الوطنية، وتم ضياع الفرصة الثالثة لتأسيس الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة، وتم بدلًا عن ذلك إعلان الحرب في مارس 2015، تحت مبرر استعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب الذي شاركت فيه بعض النخب من خلال تحالفها مع مليشيات الحوثي، وعملت على طرد الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي، وملاحقته إلى عدن، حيث أعلنت أهداف الحرب بدعوى دعم استعادة الشرعية التوافقية. هكذا كان الأمر، وهو معروف للجميع، وأيضًا ما هو معروف للجميع، ما حدث بعد ذلك من تطورات في مسار الحرب في مضمونها عكس الأهداف المعلنة المتعلقة بالحرب تمامًا.
فهنا، وبناء على ما ورد أعلاه، فإن عملية السلام قد أخذت تفسيرين؛ الأول هو السلام بين الأطراف السياسية النافذة والمتصارعة على السلطة، والتي يهمها في المقام الأول الدفاع عن مصالحها، وهذا في تقديري ليس السلام الحقيقي الذي يلبي تطلعات اليمنيين، لكنه يلبي مصالح النافذين والمنتفعين من السلطة، وهم من تعودوا على المحاصصة وتقاسم الوطن كغنائم فيد وحرب، ولذلك فهم دائمًا يشكلون بؤرًا موقوتة للحرب، والاتجاه الثاني لتفسير معنى السلام، هو السلام الذي يلبي تطلعات الوطن والمواطن اليمني، وهو مختلف كليًا عن مفهوم السلام الأول. وهنا للأسف اسمحوا لي أن أقول بكل صراحة إنه لا يوجد في النخب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي اليوم، من يتطلع فعلًا إلى السلام الذي يريده أكثر من ثلاثين مليون مواطن يمني، إلا من خلال تحقيق المصلحة الشخصية أو الجهوية التي وجدوها في اقتصاد الحرب، وهذا ما يشكك في أي مساعٍ جادة نحو السلام من قبل هذه النخب، والجميع يعرف أن معاناة المواطنين في كل اليمن شمالًا وجنوبًا، هي نفس المعاناة، وبنفس الشكل، وبنفس الشدة، وكأن من يدير تلك الأزمات وتجويع الشعب هو شخص واحد، ومن غرفة واحدة يريد مصلحته أولًا قبل مصلحة اليمن والشعب اليمني.
أنتقل معكم إلى عملية السلام في اليمن، وأقصد تحديدًا السلام الذي يلبي تطلعات المواطنين، وليس السلام الذي يلبي مصالح النافذين في المشهد السياسي، لأن الأخير كما أسلفت ليس سلامًا حقيقيًا، بل سلام ملغوم تتحكم به المصالح الفردية والجهوية، وهو بعيد عن السلام الحقيقي الذي يريده اليمن والشعب اليمني، علاوة على أن هذا السلام في اليمن لن يتحقق بمعزل عن الشراكة الوطنية والإقليمية، وهذا يتطلب من الجميع الانطلاق، أولًا، من السلام الداخلي في اليمن، الذي لن يتحقق إلا بزوال أسباب الحروب والأزمات السياسية التي تكرست خلال الفترة الماضية، إذ يتطلب العودة خطوة إلى الوراء لمراجعة الأخطاء والتصرفات الفردية التي نتجت عن الانفراد بالقرار السياسي من قبل أفراد معدودين على قمة هرم السلطة، واتخاذهم قرارات الحروب على مناطق مختلفة في اليمن، مثل حروب المناطق الوسطى والجنوب، وحروب صعدة الست، وتخوين كل من ينتقد فساد السلطة أو يختلف مع النافذين فيها بالرأي، وتلفيق تهم الخيانة والزج بالكثير من المعارضين السياسيين الوطنيين في السجون والمعتقلات السرية للسلطة. كل هذه الحقائق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وتحري عدم محاولة الهروب بإنكارها أو التقليل من فظاعتها على مدى سنوات طويلة.
إننا، أيها الإخوة الكرام، على ثقة كبيرة بأن الشرفاء من كل الأحزاب والنخب السياسية، الذين همهم الوحيد هو الوطن والشعب اليمني والسلام المستدام، وليس أحزابًا أو تقديس شخصيات، ودون أن تكون لديهم أي دوافع نابعة من تحقيق مكاسب ذاتية أو المتاجرة بالقضايا الوطنية لتحقيق مكاسب شخصية، وهؤلاء الشرفاء اليوم هم من يقع عليهم الدور في تصدر المشهد السياسي، وتقييم أخطاء المراحل السابقة على المستويين الوطني والإقليمي، لأخذ العبر منها، وعدم تكرارها في الحاضر والمستقبل.
إن عملية السلام في اليمن لا يمكن تحقيقها دون إزالة المخاوف والشكوك المتبادلة بين النخب السياسية، التي تكرست عبر عقود من الزمن، وكذا مع المحيط الإقليمي، وإعادة تقييم العلاقات مع دول الجوار على أرضية الندية والعروبة والدين واللغة والمصير المشترك، واستبدال علاقة العداء التاريخي بين اليمن وبعض دول الجوار إلى علاقة تعاون سياسي واقتصادي مبنية على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا يتطلب من اليمن ومن دول الجوار امتلاك الإرادة السياسية الصادقة للتعايش بدون حروب أو نزاعات من خلال تقديم مسودات قوانين صارمة تضمن مصالح كل بلد على حدة، وتوضع كمسودة بشفافية مطلقة، ليتم التوافق عليها، وتكون أساسًا لإزالة المخاوف المتبادلة مع اليمن، وبناء الثقة المتبادلة والعلاقات الدبلوماسية بموجب هذه القوانين الوطنية التي تضمن حقوق كل بلد، وتمنع أي بلد من انتهاكات أو أطماع في حقوق وسيادة البلد الآخر، أو في الاعتداء على الآخر. ولعل ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط يجسد الضرورة الموضوعية لإعادة بناء علاقات صحية وسليمة بين اليمن ودول الجوار، لتفادي أية خسائر على بلداننا من جراء الهجمة الصهيونية الشرسة على الأمة العربية.
وعلى الصعيد الوطني، ومن خلال النظر إلى طبيعة المناخات السياسية في اليمن، التي سادت على مدى يزيد عن أربعة عقود، تميزت هذه المناخات بأنها كانت مناخات ملوثة بالشك والريبة والتآمر المتبادل والمكايدات بين مكونات الطيف السياسي اليمني، وهذا لم يكن بعيدًا عن تأثير التدخل الخارجي، وفرض توازنات في اليمن تشكل قنابل موقوتة، وتفجير الصراعات لأغراض لها علاقة باتفاقيات اليمن مع جيرانها في ما يخص ترسيم الحدود، وما يخص العمالة اليمنية التي لم تستطع الدبلوماسية بين اليمن وجيرانها أن تؤمن حياة كريمة للمغتربين في دول الجوار، مثلما لم تفعل داخل الوطن، كونها لم تضع ذلك كأولوية في أجنداتها، أو لأنها كانت تواجه أبوابًا مؤصدة لطرحها على طاولات المحادثات الدبلوماسية في أوقات السلم، أو انشغالها بمصالحها الشخصية.
إن الخروج من نفق الماضي الملوث الذي مازالت اليمن أسيرة له وغارقة فيه، يتطلب من جميع الأحزاب السياسية أن تتحول إلى مؤسسات سياسية حقيقية تمتلك حرية اتخاذ القرار بالطريقة الديمقراطية التشاركية، وتلغي تقديس الأشخاص داخلها، وعدم إبقائهم بعيدًا عن المحاسبة على ما قد يرتكبونه من أخطاء، وتستطيع محاسبة منتسبيها في كل مستويات الأطر القيادية، ومنع تكرار الانفراد بالقرار الحزبي السياسي من قبل رأس الهرم الحزبي، وهذا سيشكل الخطوة الأولى لبناء الثقة بين النخب والمكونات السياسية، وتصحيح علاقتها مع قواعدها الشعبية، القائمة على الهيمنة بالمال والنفوذ، وليس بالقناعات السياسية، والنظر بأفق واسع نحو المستقبل، سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي. وعلى هذا فإننا نثق بأن الشرفاء في اليمن أمامهم فرصة تاريخية ثمينة لوضع لبنات قوية لاصطفاف وطني حقيقي عريض، وهو الذي لن يتحقق إلا من خلال ترك كل القضايا الخلافية، واستبعاد كل الشخصيات التي شاركت في صناعة الأزمات اليمنية، كونها أيضًا ضمن القضايا الخلافية المغذية للصراع، سواء في الماضي أو الحاضر، وستستمر في المستقبل إن لم يتم تجاوزها في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة، التي تتطلب رؤية وطنية خالصة بعيدة عن أية مصالح فردية أو جهوية أو مشاربع عائلية. وهناك بعض الإجراءات العملية التي يجب النضال من أجلها لتجفيف منابع الفساد، والتخلص كليًا من اقتصاد الحرب. وتتمثل هذه الإجراءات بالنقاط التالية:
1. إعادة سلطة الدولة والقانون بشكل فعلي، وإلغاء الملشنة وكل مظاهرها.
2. تجفيف منابع اقتصاد الحرب، وفي بدايتها عدم تأجيج الصراعات لاستمرار اقتصاد الحرب.
3. مصالحة وطنية جامعة.
4. قانون محاسبة من أين لك هذا، لإيقاف النهب لموارد البلاد السيادية، وعلى الجميع دون أي استثناء.
5. إغلاق كافة المعتقلات السياسية، والكشف عن مصير المعتقلين والمخفيين قسريًا.
6. منع حمل السلاح، وحصره فقط في المؤسسات الأمنية والدفاعية.
7. إلزام الأحزاب بإعلان برامجها الوطنية، وممارسة نشاطها الحزبي الداخلي من خلال العمل المؤسسي الذي يتجلى من خلال عقد مؤتمراتها الدورية، وتجديد قياداتها بشكل منتظم، وعدم السماح للأشخاص في قمة الهرم بالسيطرة على القرارات الحزبية التي يفترض أن يتم اتخاذها بصورة ديمقراطية تشاركية، أو يتم حلها إن لم تلتزم بقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، ومنع تفريخ الأحزاب الوطنية (أحزاب أبو خمسة أشخاص أو أقل).
وفي ما يخص العلاقات مع دول الجوار، فإنه يتعين علينا مراجعة وتقييم تلك العلاقات، وإعادة بنائها على أساس مصلحة الشعوب في اليمن ودول الجوار، وليس على المصالح الشخصية للنافذين في السلطة، وفي هذا الاتجاه أيضًا هناك الكثير من النقاط التي يجب أن توضع على طاولة البحث لتصحيح العلاقات مع دول الجوار، في الحاضر والمستقبل، وهي كما يلي:
1. ألا يحق لليمن أن تستقر ويتوقف تدميرها وتركيعها.
2. لماذا إلى الآن السلطات الرسمية لليمن هي فقط من ينفذ أوامر الدول المتحكمة باليمن ولصالحها، بينما مصالح اليمن وشعبها مغيبة تمامًا؟
3. لماذا لا تكون العلاقة بين اليمن وجيرانها علاقة تكامل ومصالح ندية ومتكافئة وعادلة لليمن، ويتم إيقاف استصغار اليمن واستضعافها؟
4. اليمن بوابة استقرار وأمان للوطن العربي والشرق الأوسط قاطبة، لماذا يتم تجاهل ذلك؟
5. على القوى السياسية الكشف عما يتم استحداثه في جزيرة سقطرى والمحافظات الشرقية، والذي قد يشكل نوعًا من بسط نفوذ الإمارات والسعودية، والاستحواذ على الأراضي والموانئ اليمنية، تحت غطاء وواجهات شخصيات محلية، وهذا يعد عاملًا مؤثرًا سلبيًا على تطبيع العلاقات مع دول الجوار من الأساس.
إن عملية السلام وعلاقة اليمن مع دول الجوار من الزاوية الإقليمية، تتمثل في كيفية تحقيق السلام الإقليمي في الجزيرة والخليج العربي على وجه الخصوص، ثم بقية الدول العربية، وهذا يحتم أولًا تحقيق السلام الداخلي لكل دولة من دول الإقليم ككل، بما فيها اليمن. وهذا بلا شك يتأثر بسياسة اللاعبين ومراكز النفوذ الدوليين في المنطقة، بخاصة مع بقاء القضية الفلسطينية حاضرة على طاولات المجتمع الدولي بعد السابع من أكتوبر، كما هي اليوم، إذ تجري المحاولات لتصفيتها في وسط التفكك العربي وتلاشي القرار العربي الموحد المنتصر لقضية فلسطين.
إن مصالح الدول الكبرى، ومن خلالها تتحدد علاقاتها غير المتكافئة مع بعض دول الإقليم، والقائمة على التبعية، لها دور كبير في تحقيق السلام في الإقليم من عدمه، وكما أشرت فإن علاقات المصالح والتبعية أثرت بشكل كبير حتى على طبيعة السلطات المتعاقبة في اليمن، وتوجيه بوصلة الصراعات فيها، والتي هي الأخرى أصبحت تبعية. وما زاد الأمر سوءًا هو أن اليمن لم تتمكن من إرساء قاعدة للدولة المؤسسية، والسبب كما أشرت سابقًا، حيث تم إبقاء اليمن في حالة عدم الاستقرار واللاسلم، ودورات متكررة من الصراع تذكيها الدول المتبوعة في المحيط الإقليمي، ومن خلال أذنابها المحليين. إذن، فالسلام في اليمن مرتبط بسياسة الدول المحيطة نحو اليمن، وهنا يبرز دور القوى السياسية اليمنية في فرض نهج دولة (وليس مليشيات) تفرض على دول الجوار احترام السيادة الوطنية اليمنية والمصالح المتبادلة، وأن تكون متكافئة، ووفقًا للقانون الدولي، كون ما يتم في اليمن اليوم بسبب سياسة دول الجوار، لن تمكن اليمن من تبني حالة استقرار وسلام داخلي ولا مع المحيط الإقليمي، للأسباب المذكورة سلفًا.
مما ذكر آنفًا، قد يتساءل الجميع كيف يمكن أن نصل إلى تفكيك القضايا والمعضلات المعقدة التي تجعل الأمور معقدة وعصية على الحل، والتي تعوق تحقيق السلام المستدام في اليمن ومنطقة الخليج، وتخلق حالة من التعاون السياسي والاقتصادي بين اليمن ودول الجوار، لا سيما وأن هناك مظالم ترتبت من السلطات المتعاقبة في اليمن، ومثلها من جراء الحروب والنزاعات الحدودية مع جارتنا السعودية، لذلك فإننا نؤكد أن ذلك سيكون ممكنًا من خلال تطبيق العدالة الانتقالية سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الأضرار التي لحقت باليمن من جراء التدخلات السعودية في حروب اليمن الداخلية وحروبها الحدودية المباشرة، لذلك فإن كل شيء ممكن إذا ما توفرت الإرادات السياسية الصادقة، وحسن النوايا من جميع الأطراف. وهنا يكمن دور وأهمية العدالة الانتقالية التي أثبتت نجاحها في الكثير من البلدان التي نشبت فيها الحروب والصراعات المسلحة.
وبهذا أكون قد وصلت إلى نهاية مداخلتي في ندوتكم الكريمة، وأشكر القائمين على هذه الندوة، وأخص بالشكر الدكتور مصطفى خالد الذي شرفني بدعوته لي للمشاركة في هذه الندوة المميزة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

× مداخلة في ندوة اليوم الوطني للسلام التي نظمتها اللجنة اليمنية للسلام الأربعاء الأول من يناير 2025 على منصة زووم

Left Menu Icon
الرئيسية