إلى أين ستذهب سوريا؟

تم النشر بتاريخ 12 ديسمبر, 2024

حسن العديني

سأوافق ولا أنكر أن النظام الذي سقط في سوريا يوم 8 ديسمبر كان متوحشاً، وإن كنت أنوه إلى أمرين:
الأول، أن الطابع القمعي للحكم في سوريا يمتد في جذوره إلى ما قبل حافظ الأسد، وحتى إلى قبل تولي حزب البعث في 1963، وربما رجع إلى المكتب الثاني وسجن المزة وعبدالحميد السراج، والذين سبقوه ولحقوه، وإن كان عهد الأسد أشد.
الثاني، أن شعب سوريا صعب وعصي على الحكم، فبعد خروج الفرنسيين لم يستمر الحكم الديمقراطي طويلاً، وقد افتتح حسني الزعيم الانقلابات التي تلاحقت مع سامي الحناوي وأديب الشيشكلي، وساد العنف والتصفيات حتى كادت الانقلابات تتكرر كل شهر في الخمسينات، ولما آل الحكم إلى البعث تعاقبت انقلابات عسكرية ضد بعضهم، حتى جاء حافظ الأسد الداهية وعرف كيف يقود الشعب العصي لكنه في حقيقة الأمر أسرف وبالغ في الإسراف.
الثاني أن بشار الأسد الأهبل ورث من والده نظامه القمعي ونزعة الجبروت فيه، دون أن يرث دهاءه ولا ثقافته ومعرفته بالتاريخ وفهمه العميق لخطورة إسرائيل على سوريا وعلى الأمة العربية، الآن وفي المستقبل.
وكان حافظ الأسد فيما أوقن عروبياً أصيلاً وصادقاً، غير أني أجد صعوبة في فهم الانحياز للعروبة والاعتماد على الطائفة، وأرى المسألة في تعقيدات تركيبة المجتمع السوري.
قد أضيف أن الأسد وقع في مصيدة ألقاها فيه أنور السادات أثناء حرب أكتوبر، وقد وجد نفسه في موضوع الصراع مع إسرائيل محاصراً بين أن يذهب إلى صلح منفرد واستسلام، كما فعل الذين من قبله، أو أن يخوض حرباً فاشلة بمفرده.
تلك محنة سوريا على مدى خمسة قرون.. لكني سأقول مرة ثانية إن بشار ولد صغيراً بجانب القامة الكبيرة، وأن نظامه كان مرشحاً للسقوط بالأمس وليس اليوم، لولا الحماية الروسية أكثر من الإيرانيين وميليشياتهم. وكانت هذه خطيئة وخيبة فقد ركن عليها فوق البطش وضرب قفلاً من حديد على دماغه.
ويوم غدا عبئاً على هؤلاء وأولئك بعدما جرى في لبنان وما يجري من وقت طويل بين روسيا وأوكرانيا، فقد سهل اصطيادهد
والثابت أن اجتماع الدوحة الذي سبق السقوط بين وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا وقطر، وضع الصيغة الأخيرة للنهاية وفيه رجا الوزير الإيراني سلامة شيعة سوريا والأماكن المقدسة، وقد رتب الاتراك اتصالات للإيرانيين مع هيئة تحرير الشام بالضمان والأمان.
لكن قبل هذا الاجتماع السياسي المذاع عقد لقاء سري في مدينة غازي عنتاب بتركيا، جمع رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان الكعبي، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، وممثلين عن فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، وفيه تم ترتيب ما سيكون عند الغزو الذي أعقب نهاية الحرب في لبنان.
ضمن الترتيبات الحرص على الانتقال السلمي للسلطة، بمعنى تحاشي الدم، وعلى بقاء مؤسسات الدولة متماسكة وعودة اللاجئين وغير ذلك.
المهم فيه إظهار الوجه المتسامح القابل لكل الطوائف.
ذلك أظهرته الجماعات التي انتصرت ودخلت البلاد..
ويبقي أن المخابرات الأمريكية كانت حاضرة في اجتماع يوجه الفصائل المسلحة، وأقواها هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني الذي عرض الأمريكيون من قبل 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
ثم راحت الإدارة الأمريكية تعلن أنها تنتظر ماذا ستكون عليه هيئة تحرير الشام حتى تقرر بشأنها.
السخيف أن حركات الأمريكيين مكشوفة، كما لو أنهم مطمئنون إلى غفلة العالم العربي، لكن الأفظع أنهم لا يعطون وزناً للعالم الفسيح الذي يرى كذبهم مكشوفاً كل يوم.
المهم أن النظام الوحشي البشع سقط بغزو من الداخل، وهلل الناس دون أن يأبهوا أن الإرادة خارجية في الأصل.
ولقد فزعت وكلمت أصدقاء أنني أخشى أن إسرائيل تستغل الوضع وتقضم أراضي في سوريا، وإسرائيل لم تنتظر فراحت تلتهم بفم مفتوح وبشهية وشره، ثم أنها ذهبت بعيداً ودمرت جميع العتاد العسكري السوري، وضربت مراكز الأبحاث وجميع المواقع التي تحتفظ فيها سوريا بذاكرتها وعلمها.
في تلك الساعات الطوال كانت عيوني معلقة بقناة الحدث وهي تنقل صور الذين يحفرون الخرسانة للبحث عن زنازين مجهولة في السجن الرهيب صيدنايا، أحياناً كانت تظهر الأقفال الإلكترونية العصية.. بدا لي الأمر مقصوداً فيه التضليل بالجريمة القديمة عن الجرائم الراهنة..
هناك يمكن اعتقال وزير الداخلية أو واحد من كبار المسؤولين الأمنيين، حتى يجيئوا بمن يعرف أسرار السجن.. وبالنسبة للأبواب المغلقة هناك في الدنيا فنيين يفتحونها بسهولة..
ثم بعد كل السنوات ألم تكن الغرف تقبل الانتظار بعض الساعات والأيام لنتابع ما تفعله إسرائيل بالأحياء، ثم نلتفت إلى ما فعله بشار بالموتى.
وكانت إسرائيل تدمر سوريا والقادة الجدد مشغولون بتكسير تماثيل وصور حافظ وابنه السادج.
ولم يزل مثقفون كبار وسياسيون في اليمن، وربما في دول عربية أخرى، يهللون ويصفقون لتمزيق صورة بشار الأحمق ولا يرون تمزيق سوريا وما بعدها.
نعم سوريا ذاهبة إلى التقسيم مع الجماعات الارهابية المتطرفة أدوات الدول الاستعمارية.

من صفحة الكاتب على فيس بك

Left Menu Icon
الرئيسية