سؤال يطرح نفسه: هل كانت محكمة التعزية شاغرة؟

تم النشر بتاريخ 30 نوفمبر, 2024

بقلم/ لؤي ناجي

لقد أثار قرار مجلس القضاء الأعلى الأخير بخصوص تغطية الشواغر في محاكم ونيابات محافظتي تعز وحضرموت العديد من التساؤلات، ولاسيما فيما يتعلق بوضع محكمة التعزية، فقد تم تضمين محكمة التعزية في قرار تغطية الشواغر، بالرغم من أن القاضي فضل الكمالي عقد جلساته بصفته رئيساً للمحكمة في صباح يوم إصدار القرار .

والجدير بالذكر، أن تعيين القاضي الكمالي في منصب رئيس محكمة التعزية كان قد تم قبل حوالي أربعة عشر شهراً، عقب صدور قرار الحركة القضائية في 13 سبتمبر 2023، والذي شمل تعيينات قضائية في محافظتي تعز وشبوة، وهذا يشير إلى أن التغيير الذي طال منصب رئيس المحكمة قد جاء فيه الصواب، مما يثير تساؤلات قانونية عن مدى صحة هذا التغيير وفقاً لأحكام قانون السلطة القضائية.

القاضي فضل جميل محمد ردمان الكمالي كان أحد القضاة المعروفين بنزاهتهم وحرصهم على تحقيق العدالة في محاكمته، ويتمتع بسمعة طيبة في أوساط المجتمع القضائي والشعبي على حد سواء. حيث عُرف عنه التزامه الشديد بالمبادئ القانونية وإيمانه العميق بمكافحة الفساد والمظالم، ويشتهر بشجاعته في اتخاذ القرارات العادلة دون الخضوع لأي ضغوط أو تدخلات خارجية، مما جعله محط احترام واسع..
لكن رغم ذلك، فقد تعرض القاضي الكمالي لعدة محاولات اغتيال من جهات كانت تسعى للتأثير على قراراته العادلة، حيث تعرض لحوادث خطيرة كانت تهدد حياته، ومع ذلك استمر في أداء واجبه بكل شجاعة وإصرار، رافضاً الاستسلام للتهديدات.

كان القاضي الكمالي مثالاً يُحتذى به في المثابرة والتمسك بالقيم القضائية، لم يخشَ لومة لائم في الصدح بكلمة الحق، ونصب عينيه دائماً أن يخدم بلده واقفاً فى هذا المحراب المقدس محراب الحق والعدل، حارسها المؤتمن على شرف الحقيقة.
وجدته يستلهم ضميره ووجدانه بغية الإصلاح الخالي من الانفعال، مما جعل من الصعب قبول فكرة عزله من منصبه دون مبررات قانونية واضحة.

إن هذا التغيير يبدو مخالفاً لنصوص قانون السلطة القضائية، وتحديداً المادة 65 الفقرة (أ) والفقرة (د)، حيث تنص الفقرة (أ) على أنه لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم إلا في الأحوال المبينة في هذا القانون، كما تحدد الفقرة (د) شروطاً صارمة لنقل القضاة بين المحاكم، حيث تؤكد المادة 65 (د) أنه لا يجوز نقل القاضي من محكمة إلى أخرى إلا بعد مرور ثلاث سنوات على مباشرته العمل في تلك المحكمة، وهو ما لم يحدث في حالة القاضي الكمالي، إذ تم نقله بعد فترة زمنية أقل من سنة.

إضافة إلى ذلك، تنص المادة 86 من نفس القانون على أن القضاة غير قابلين للعزل من مناصبهم، إلا إذا كان العزل عقوبة تم توقيعها في دعوى محاسبة قانونية، وهو ما يستدعي أن يكون هناك دعوة يوجه فيها القاضي ويصدر عن هذه الدعوة حكم وعقوبة وبعلمه.

يبدو أن قرار مجلس القضاء الأعلى الذي تم إصداره في الأيام الأخيرة، والذي شمل سد الشواغر في محاكم تعز وحضرموت ينطبق مع هذه النصوص القانونية، إذ أن هذا القرار قد أسفر عن عزل القاضي فضل جميل محمد ردمان الكمالي من منصبه دون أن تقام ضده دعوى محاسبة أو مواجهته بتهم تبرر عزله.

إن ما يثير القلق في هذا القرار هو احتمال حدوث تجاوزات قانونية تتعلق بنقل القضاة والعزل من المناصب القضائية، دون مراعاة الضمانات القانونية المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية.
وعليه، يظل السؤال قائماً: هل كانت محكمة التعزية فعلاً شاغرة؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فإن ذلك يعني أن التسيب في إصدار قرار التعيين لرئيس محكمة التعزية في قرار الشواغر يعد باطلاً.

ومن هذا المقام نطرح هذا الموضوع أمام السادة القضاة الإجلاء (رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى)، باعتبارهم المعنيين بالأمر لإعادة النظر في القرار انتصاراً للمبادئ والقانون، ليكون أكبر قيمة للأداء والعطاء، وحتى يكون البرهان ساطعاً بأنكم سدنة الحق، أيادي العدل، فقد وجدانكم رجال العدل البواسل، والقلعة الشامخة لميزان الحقيقة وحارسها المؤتمن.

فالقاضي الحقيقي هو منهج تفكير وصحوة ضمير، متجرد من كل تأثير، قادر على إنارة الطريق بفكره الواعي المستنير، مدرك لمسؤوليته الوطنية والتزاماته الدستورية، بقدرته على البحث والتنقيب عن الحق..

وبالأخير، أتوجه إليك أيها القاضي فضل الكمالي في هذه اللحظات الفارقة، لأقدم عرفاناً مستحقاً لك أيها الرمز الشامخ، فأنت ليس صاحب المقام الرفيع فحسب، ولكنك وعن جدارة أهل لكل توقير واحترام، فأنت قامة رفيعة وقيمة غالية وسادن للحق والعدل. وأشهد الله تعالى أنك لم تبخل بشيء، ولم تتخاذل يوماً أو تتهرب عن عمل أوكل إليك، ولم تتوان عن الدفاع عن هيبة هذا الحق العظيم، ولقد كنت وستظل أروع وسام حصلت عليه تعز.

Left Menu Icon
الرئيسية