تم النشر بتاريخ 20 نوفمبر, 2024
وحيد الفودعي
في الآونة الأخيرة، تصاعد الحديث في الأوساط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي حول خروج مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية عبر المنافذ الرسمية في اليمن. وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا وتساؤلات عديدة حول أسباب هذه التحويلات وتأثيرها على الاقتصاد الوطني. للأسف، فإن كثيرًا من المعلومات المتداولة تفتقر إلى الدقة والمصداقية، وتهدف إلى خلق بلبلة في سوق الصرف، ما يخدم مصالح قوى تسعى لاستغلال هذه الشائعات، ومنها عصابات هوامير الصرف وجماعة الحوثي الإرهابية.
وللرد على هذا الجدل، من الضروري توضيح السياق الاقتصادي الذي يجعل ترحيل العملات الأجنبية بين الدول إجراءً طبيعيًا وحتميًا في إدارة الاقتصاد الحديث.
السياق الاقتصادي لترحيل العملات الأجنبية
إن إثارة الشائعات حول خروج العملات الأجنبية بوصفه تهديدًا للاقتصاد أو عملًا يتم خارج إطار القانون يعكس نقصًا في فهم تعقيدات النظام المالي والاقتصادي. الحديث عن هذه العمليات دون تقديم سياق كامل يُسبب بلبلة قد تزعزع ثقة المواطنين في المؤسسات المالية الوطنية.
ترحيل العملات الأجنبية بين الدول ليس إجراءً طارئًا أو استثنائيًا، بل يُعد جزءًا أساسيًا من النظام الاقتصادي العالمي. اليمن، كدولة تعتمد بشكل كبير على استيراد احتياجاتها الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود، تحتاج إلى النقد الأجنبي لتسديد مستحقات الموردين الدوليين. هذا الإجراء ليس فقط طبيعيًا، بل ضروريًا لضمان تدفق السلع الحيوية إلى الأسواق المحلية، مما يساعد في استقرارها وتلبية احتياجات المواطنين.
إضافة إلى ذلك، تعتمد البنوك المحلية على عملية ترحيل العملات الأجنبية لتعزيز أرصدتها لدى البنوك المراسلة في الخارج. هذه العملية تُسهل المعاملات التجارية الدولية وتضمن قدرة البنوك على تلبية طلبات عملائها من المستوردين والمستثمرين. في غياب هذه الأرصدة، قد تواجه البنوك المحلية صعوبات في الوفاء بالتزاماتها الدولية، ما قد يؤدي إلى عرقلة حركة التجارة الدولية والإضرار بالاقتصاد.
إجراءات التحقق والامتثال
هناك معايير دولية صارمة تحكم عمليات ترحيل العملات الأجنبية بين الدول. على سبيل المثال، تُطبق إجراءات تهدف إلى منع التهريب وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتُحدد هذه الإجراءات المبالغ المسموح بنقلها شخصيًا أو عبر الشركات التجارية والبنوك.
في اليمن، يتم ترحيل العملات الأجنبية عبر المنافذ الجمركية، مثل مطار عدن الدولي، وفق إجراءات شفافة شمل:
1. تقديم طلبات كتابية للبنك المركزي اليمني: تُوضح البنوك حاجتها لترحيل النقد الأجنبي لدعم أرصدتها في الخارج، لتلبية طلبات العملاء الخاصة بالاستيراد.
2. مراجعة دقيقة من قطاع الرقابة في البنك المركزي: للتأكد من تلبية الطلبات لمعايير التحقق الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
3. إحالة وثائق الطلب إلى وحدة جمع المعلومات المالية: للتأكد من قانونية الترحيل والتحقق من مصادر الأموال واستيفاء شروط الامتثال.
4. إرفاق التصاريح والوثائق الرسمية مع شحنات النقد: تُرسل الوثائق إلى السلطات المعنية في بلد الاستقبال، مثل السعودية، التي تخضع هذه العمليات لإجراءات صارمة للتحقق والامتثال.
مخاطر الشائعات وتأثيرها السلبي
للأسف، أدى تداول هذه المعلومات بشكل مضلل عبر وسائل إعلام يُفترض أنها وطنية إلى خلق حالة من القلق في سوق الصرف. وقد استغلت مليشيات الحوثي الإرهابية هذه الشائعات كجزء من حربها الاقتصادية ضد الشعب اليمني، مستهدفة المؤسسات السيادية في البلاد. الهدف الواضح من هذه الحملات هو زعزعة استقرار العملة الوطنية وإطالة معاناة الشعب اليمني في مختلف المحافظات.
ضرورة تعزيز التوعية الاقتصادية
من المهم أن يدرك الجميع أن ترحيل العملات الأجنبية بين الدول هو إجراء طبيعي ومهم لدعم الاقتصاد الوطني، بشرط أن يتم ضمن إطار من الشفافية والمراقبة الصارمة. نشر معلومات موثوقة ودقيقة حول هذه العمليات من قبل الجهات المختصة يعزز ثقة المواطنين في مؤسساتهم السيادية، ويحول دون استغلال الشائعات لخلق حالة من عدم الاستقرار.
ختامًا، ترحيل العملات الأجنبية يمثل جزءًا لا يتجزأ من إدارة الاقتصاد الوطني. وهو إجراء يهدف إلى تلبية احتياجات السوق المحلية ودعم استقرار المؤسسات المالية. إن إدارة هذه العمليات بدقة وشفافية، مع تعزيز التوعية العامة بأهميتها، يساعد على مواجهة الشائعات وتثبيت دعائم الاقتصاد في مواجهة التحديات الراهنة.
خبير مالي واقتصادي