تم النشر بتاريخ 6 أكتوبر, 2024
عدن – صلاح بن غالب
يواصل تجار الأقمشة في مدينة صنعاء (وسط اليمن)، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إغلاق محالهم والاضراب عن العمل منذ منتصف سبتمبر/آيلول الماضي احتجاجًا على رفع الرسوم الجمركية بنسبة 100 %.
يأتي ذلك بالتزامن مع إصدار عضو المجلس الرئاسي باليمن عبدالرحمن المحرمي، مطلع أكتوبر/تشرين أول الجاري، قرارًا بمنع الجبايات غير القانونية في النقاط الأمنية على خطوط النقل الطويلة الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.
ولم يمضِ على القرار سوى أيام حتى أعلن سائقو ناقلات الغاز الإضراب والإعتصام في نقطة أمنية على مدخل مدينة زنجبار بمحافظة أبين (جنوبي اليمن) إحتجاجًا على فرض جبابات باهظة على ناقلات الغاز القادمة من محافظة مأرب (شمالي شرق البلاد).
وهو ما يكشف حجم المعاناة المشتركة التي يواجهها القطاع التجاري وقطاع النقل في مناطق الحوثيين والحكومة اليمنية، على السواء، وانعكاس هذه المعاناة على كاهل المواطنين.
عودة الجمارك
يوضح سائق شاحنة لنقل البضائع التجارية، محمد القدسي، أن عملية جمركة البضائع وفرض جبايات غير مشروعة ازدهرت في زمن الحرب على الطرقات، سواءً في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، أو في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وأضاف القدسي لـ«المشاهد» أن طرفي الحرب شرعوا بإنشاء جمارك وموازين النقل الثقيل وجميعها تجبي مبالغ مالية لا تقل عن 100 ألف ريال يمني في الحواجز الأمنية أو الجمارك الناشئة.
وأشار القدسي، أنه منذ أواخر عام 2023 أجبرتهم جماعة الحوثي على تحويل نقل البضائع من وإلى ميناء الحديدة (غربي اليمن) الخاضع لنفوذها؛ بهدف الهيمنة على موارد الجمارك والضرائب.
وهذا ما تسبب بركود شحن البضائع التجارية عبر ميناء عدن (جنوب اليمن)، الخاضع لنفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بحسب القدسي.
جمارك الإمامة
المختص في التاريخ اليمني المعاصر، فتحي عبدالله، من أبناء منطقة المفاليس الحدودية بين لحج وتعز، قال لـ«المشاهد» إن الائمة أنشاؤا قديمًا جمارك في المناطق الحدودية بين لحج وتعز؛ بغرض إحكام قبضتهم المالية على البضائع التجارية الصادرة والواردة عبر ميناء عدن الخاضع حينها للحكم البريطاني.
ولفت إلى أنه كان على حدود محافظتي لحج وتعز منذ ثلاثينيات القرن الماضي عدة جمارك هي: (الراهدة – ضوكة – غُريّب – الزريقة – المفاليس) وهذا الأخير هو أشهرها، ويتبع إداريًا مديرية حيفان جنوبي تعز.
مبيّنًا أن أي تجارة قادمة من ميناء عدن كانت تخضع للحجز والتفتيش بمكان مخصص يسمى “الزريَّبة” ولا يسمح لها بالمغادرة إلا بعد فرض “عامل الإمام” رسومًا جمركية تورد إلى ما يسمى بـ”بيت المال”.
وكشف فتحي أن الجبايات كانت تفرض حتى على المسافرين من وإلى مدينة عدن، وكلها إتاوات خارجة عن القانون.
التاريخ يعيد نفسه
المحلل السياسي حسن مغلس أوضح أن فرض الجبايات على البضائع التجارية بطرق غير قانونية انتشرت بشكل كبير سواءً في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي -وهي الأكثر- أو في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية، وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه.
وقال مغلس لـ«المشاهد» إن فرض الجبايات والجمركة ألقى بتاثيراته السلبية على ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخضروات والفواكه والمحروقات بشكل عام.
وقارن مغلس بين ماضي الجمارك وحاضرها، منوهًا أن الإمام كان لديه جمارك يجبي منها أموالًا طائلة، ويُجبر المزارعين على دفع أقداح من الحبوب تسمى “الضمان” أو “الغلول” إلى خزينة المملكة، وعند اشتداد الجوع يتم صرف وإعادة جزء يسير منها على المزارعين والمواطنين.
وتابع: أما حاليًا فإن جماعة الحوثي حرمت موظفيها من رواتبهم ولم تقدم لهم أي مساعدات مالية أو نقدية كما كان يفعل الإمام.
وتساءل المحلل السياسي حسين مغلس عن مصير أموال الجمارك والضرائب، كالضريبة اليومية للقات على سبيل المثال.
وكشف أن في الوقت الراهن وصل الأمر حتى لجمركة عمليات تحويل الأموال بين مناطق الحكومة اليمنية ومناطق سيطرة الحوثي، من خلال فوارق التبادل النقدي بين الطرفين.
تردي معيشي وتضخم
يذكر أن استمرار فرض الجبايات في النقاط الأمنية بين المحافظات أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتكبد المواطنين -بشكل مياشر- تبعات تلك الإتاوات؛ نتيجة محاولة التجار تعويض خسائرهم المالية من الجبايات برفع أسعار السلع على المستهلكين.
الأمر الذي ضاعف من التردي الاقتصادي والمعيشي، وساهم في تزايد التضخم وتسارعه، عدم قدرة المواطنين على مواكبته أو مواجهته، في ظل غياب التدخلات الحكومية الناجعة.
المشاهد