تم النشر بتاريخ 24 سبتمبر, 2024
إعداد وتقديم: د. عيدروس الشعبي
العملية التربوية والتعليمية عملية مترابطة ومتشعبة، تشترك فيها عدة جهات أو سلطات، وهي سلطة الدولة وسلطة المجتمع وسلطة الأسرة..
وهي عملية تكاملية تعاونية، تتكامل فيها السلطات الثلاث وتتعاون لتحقق أقصى ما يمكن تحقيقه من الأهداف التربوية والتعليمية.
التلميذ أو الطالب هو الهدف الرئيس في العملية التعليمية والتربوية.. ولهذا أنشئت وزارة التربية والتعليم وأنشئت مكاتب وإدارات التربية في المحافظات والمديريات، ومعها الإدارات المتخصصة والمؤكل إليها تنفيذ ومتابعة سير العملية التعليمية والتربوية، للوصول إلى تحقيق الهدف المنشود وهو التلميذ أو الطالب النموذجي..
مديرية طور الباحة إحدى مديريات محافظة لحج، وإحدى مناطق دولة الجنوب سابقاً.. وقد شهدت فترة زمنية نموذجية في مجال التربية والتعليم، فترة ساد فيها الاستقرار التعليمي على الرغم من شحة الإمكانيات والقدرات..
كانت العملية التعليمية عملية مركزية تسير من الأعلى إلى الأسفل، ترسم فيها الدولة السياسة التعليمية، وتعمل على متابعة كل الأجهزة الإدارية المتسلسلة ابتداءً من الوزارة حتى المدرسة والصف الدراسي لتطبيقها..
لن نبقى نتغنى بتلك الفترة ونتباكى عليها، ولكن فقط لنستذكرها ونستلهم الدروس الممكنة منها لنستفيد منها في حاضرنا ومستقبلنا..
– المشكلات:
منذ ثلاثة عقود من الزمن تم تعطيل العملية التعليمية والتربوية بطريقة ممنهجة، أوصلت الحالة التعليمية إلى أردى حالاتها وأوضاعها..
ليس تجنياً ولا افتراءً، فحال التربية والتعليم أصبح واضحاً للجميع، وهو حال يتألم له كل أبناء المجتمع ويشتكون منه.. لكن ما الذي أوصل الوضع إلى هذا الحال.. وكيف؟
بدأت عملية التدمير الممنهجة للتعليم منذ منتصف التسعينيات في القرن الماضي، حيث بدأت تظهر أولى حالات الطلاب الوافدين وأولى حالات المدرسين الحاضرين في كشوفات الراتب فقط..
كانت أعداد تلك الحالات تتزايد باضطراد في مدارس مديرية طور الباحة المختلفة، حتى وصل الحال بأن طلاب من أبناء صنعاء وذمار يمتحنون في مدارس المديرية، ومدرسون يستلمون رواتب من التربية والتعليم وهم موظفون في أجهزة حكومية أخرى..
حالات الفساد تلك وممارستها والإصرار عليها من بعض مدراء المدارس أدت الى ظهور ظواهر أخرى، وهي تهرب بعض المدرسين من أداء مهامهم، وغياب الطلاب الملتزمين عن قاعات الدراسة، والمطالبة بمعاملتهم معاملة الطلاب الوافدين.. حتى وصل الحال ببعض الآباء وأولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم في المدارس، والإصرار على عدم الحضور إلا الامتحانات، وهو ما تم تطبيقه لاحقاً وبطرق كثيرة فاضحة وعلنية..
مشكلة ثانية ظهرت في الوقت نفسه، وهي ظاهرة الغش أو التغشيش في المراحل التعليمية، وهي عملية مع مرور الوقت أصبحت شبه شرعية ويطالب بها الآباء قبل الأبناء..
مشكلة ثالثة أيضاً أدت إلى تدهور حال التربية والتعليم، وهي مشكلة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمعلم، مما جعل المعلم تائهاً في دروب الحياة، ولا يدري كيف يعمل أو كيف يحسن من وضعه المعيشي، مما اضطر البعض من المعلمين للالتحاق بسلك العسكرة لتلافي الدمار المعيشي الذي قد يقع عليه وعلى أسرته..
ومشكلة المعلم الاقتصادية والمعيشية تعتبر المشكلة الأساسية في الوضع الحالي، وأيضاً في معالجته إذا أرادت الدولة والمجتمع معالجة أوضاع التعليم..
مشكلة رابعة تمثلت في تأخر وصول الكتاب المدرسي، ومن ثم ضياعه، وأخيراً فقدانه بشكل نهائي..
أضف إلى ذلك مشكلة تأخر صرف نتائج وشهادات التلاميذ والطلاب، حيث يتم تأخيرها حتى بداية العام القادم، بعد إن كانت تصرف للطالب في نهاية العام مباشرة، مع عمل ندوات التكريم للأوائل والمبرزين والناجحين..
الوضع الحالي:
تخرجت أجيال من الشباب والشابات وهم لا يعون القراءة والكتابة، وأصبحوا عالة على المجتمع، وهناك أجيال في طريقها للتخرج بنفس المستوى ما لم تتم عملية تدارك الأوضاع ومعالجتها..
وضع المدارس والمعلمين والإدارات لا يحسد عليه، فهو في أسوأ حالاته..
– المعالجات والحلول:
لا يقع اللوم على المعلمين أو على الإدارات المدرسية أو إدارات ومكاتب التربية، ولكن اللوم والمسؤولية يقعان على السلطات العليا، فهي السلطات القادرة على تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، كما أنها مسؤولة أيضاً حين عملت على تجاهل المشكلات وفاقمتها لتصل لهذا الوضع المزري.. فعليها وضع الاستراتيجيات والحلول والمعالجات التي تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل خمس وثلاثين عاماً، ولتبدأ أولاً بتصحيح وضع المعلم مالياً.
ونحن هنا نرى أن المعالجات والحلول (الآنية) يجب أن يسعى لها الجميع من سلطات ومجتمع وأفراد.. وعلينا أن نعي حقيقة مهمة جداً، وهي أن ما تم تدميره على مدى عقود من الزمن لا يمكن أن يأتي أو يعود لطبيعته في لحظات أو أيام أو شهور، ولكنه يحتاج إلى سنين متواصلة من العمل الجاد والمتواصل.
ومن المعالجات والحلول ما قد يكون قريباً وممكناً، ومنها ما قد يكون بعيد المدى ويحتاج إلى استراتيجيات ودراسات وخطط مختلفة.
وهنا نضع بعض الحلول والمعالجات التي نرى أنها قد تساعد على حلحلة الوضع، وتسهيل الوصول لإصلاحات حقيقية في التربية والتعليم في المديرية:
– أولاً الوعي المجتمعي، ويتمثل في:
(١) الوعي بضرورة التضحية والمبادرة:
فالجسم الذي تصيبه العلل والأسقام لابد له من أن يتجرع الدواء على مرارته، ولابد له من أن يتحمل وخز الإبر وتقطيع العمليات واستئصال الأورام وتجبير الكسور..
وجسم التربية والتعليم قد أصيب بشتى العلل والأورام والتكسرات.. ومن أجل إصلاحه ومعالجة مشكلاته يجب عليه أن يتحمل الألم والتضحية وتقبل المضاعفات.. ولهذا فالمجتمع مطالب بضرورة التضحية والمبادرة والاستعداد لها.
(٢) الوعي بحق المعلم قبل الطالب:
يجب على المجتمع والسلطات وكل الأفراد أن يعوا أن حق المعلم يأتي قبل حق الطالب، إلا في الظروف الاستثنائية.. فإذا أردنا من المعلم العطاء فإن علينا أن نوفيه حقه ونصلح وضعه ليعيش رافع الرأس مكرماً يعطي بكل تفانٍ وإخلاص.. أما إذا استمر وضع المعلم بهذا الشكل من التدهور المعيشي، فلا يحق لنا أن نطالبه ولا أن ننتقده أو نعيب فيه، فهو إنسان ورب أسرة، وعليه من الهموم والمطالب ما تثقل كاهله وتجعله يسير للخلف بدلاً من الأمام، فـ(إصلاح حال المعلم هي البداية الحقيقية لإصلاح التعليم).
(٣) وعي المجتمع:
على المجتمع أن يعي بأهمية دوره في المطالبة بتصحيح الوضع التعليمي، والوقوف إلى جانب المعلم والإدارات المدرسية والتعليمية.
(٤) وعي أرباب الأموال:
يجب على التجار وأرباب المال والأعمال والاستثمارات أن يدركوا أهمية إسهاماتهم في إصلاح التعليم، بالمساعدة في تقديم ما يمكن تقديمه في مجال طباعة الكتاب المدرسي وتوفير الوسائل التعليمية ودعم المعلم.
– ثانياً وعي السلطات:
(١) وعي السلطات بضرورة إسعاف الوضع وتدارك الأمور، كلاً من موقعه وبحسب قدراته وإمكاناته..
فسلطة التربية والتعليم في المديرية والمحافظة تستطيع أن تضع بعض المعالجات والحلول، وكذلك السلطات المحلية في المديرية والمحافظة، إلى جانب سلطات التشكيلات العسكرية والأمنية، (ولم نذكر هنا السلطات العليا كونها ليست في متناول أيدينا وقراراتها تخضع لاعتبارات وحسابات مختلفة).
(٢) وضع استراتيجية قصيرة المدى تضمن استعادة هيبة التعليم ومكانته، ولتبدأ الاستراتيجية بتصحيح ومتابعة أوضاع التلاميذ في الصفوف الأربعة الأولى بنسبة 100%، وفي الصفوف الأربعة التالية بنسبة 60%، والصفوف الأربعة المتبقية بنسبة 40 %..
– المقترحات:
(١) تفعيل دور اللجان المجتمعية وخطباء المساجد والمثقفين والمتعلمين، بضرورة استيعاب أسباب المشكلات التعليمية، وتوطين النفوس على معالجتها وتحمل مضاعفاتها..
(٢) تقديم الإحصائيات المتوفرة لدى مكتب التربية والتعليم بكل شفافية للجهات المختصة والداعمة، وعمل المعالجات السريعة للحالات القصوى.
(٣) البحث عن الجهات الممكنة لتقديم الدعم الممكن للحالات الأكثر تضرراً.
(٤) دعم وتبني عمل دراسات تفصيلية للجوانب المختلفة للعملية التعليمية ومشكلاتها والحلول الممكنة لها، وإن اقتضى الأمر دراسة المراكز التعليمية كلاً على حدة.