العودة للمدارس تدفع أطفال اليمن إلى سوق العمل

تم النشر بتاريخ 20 أغسطس, 2024

عبداللاه سُميح – إرم نيوز:

ينتهز الطفل اليمني أيهم خالد فرصة ازدحام أحد المطاعم الشعبية، قرب دوار “زكّو” الشهير بمدينة عدن القديمة، ليعرض على زبائن المطعم بكل لباقة شراء البيض المسلوق منه، أثناء تناولهم العشاء.

يُكرر الطفل البالغ من العمر 13 عامًا، عودته إلى المطعم عدة مرات خلال فترات قصيرة، أملًا في بيع أكبر قدر ممكن من البيض المعروض في سلة بلاستيكية يحتضنها بكل حرص، وهو يتنقل من طاولة إلى أخرى، معددًا فوائد سلعته الغذائية لجسم الإنسان.

ويحتل اليمن المرتبة الأولى عربيًا في عمالة الأطفال، بنسبة تصل إلى 13.6% للفئة العمرية من 4 أعوام إلى 15 عامًا، بينما تصل نسبة الفئة الأكبر إلى 34.8%، وفقًا لإحصائيات أممية، في ظل الأزمة الإنسانية “الأسوأ عالميًا”.

*أعمال مؤقتة*

لا يتذمر أيهم حين يخرج من منزله عصرًا، وهو يرى أقرانه يتجمعون للعب كرة القدم، بينما يتجه لعمله المؤقت كبائع متجول في الحيّ التجاري المزدحم بالسيارات والمارة، على بعد مئات الأمتار من منزل أسرته المستأجر، ترافقه دعوات والدته، التي يبقى بعيدًا عن عينيها إلى عقب صلاة العشاء ببعض الوقت.

يقول الطفل أيهم بحماس منقطع النظير، إنه أصبح رجلًا يمكنه مساعدة والدته وإخوته في تولي مسؤولية الأسرة، من خلال عمله المتواصل منذ إجازة عيد الأضحى الماضي، في بيع البيض المسلوق، لأجل شراء مستلزمات عودته إلى المدرسة من زيّ مدرسي وحقيبة ودفاتر وأقلام وغيرها.

وأضاف لـ”إرم نيوز”، أن والده توفي قبل أربعة أعوام، وأن شقيقيه الأكبر سنًا منه، يعمل أحدهما في متجر قريب منه، بينما يبيع شقيقه الآخر الكعك والمعجّنات التي تعدّها والدته طوال اليوم، قرب أحد “كافيهات” المدينة العتيقة، على بعد قرابة كيلومتر واحد من موقعه.

يضاعف العام الدراسي الجديد من حجم الأعباء المالية على كاهل الأسر اليمنية، التي تواجه ظروفًا معيشية صعبة، تتفاقم حدّتها مع استمرار انهيار العملة المحلية، وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، ما يحول دون قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه متطلبات الأبناء المدرسية.

وبينما تستنفر الكثير من الأسر جميع أفرادها، بما فيهم الأطفال، في مهن وأعمال حرّة مؤقتة، بهدف مساعدتها في رفع مستوى الدخل المادي لمواجهة تحدي العام الدراسي الجديد؛ تضطر بعض العائلات إلى الدفع بأبنائها في سوق العمل بشكل دائم، مفضلة التخلي عن تحصيلهم العلمي، في حين تتسبب الظروف البائسة في إنهاء مشوار بعض الطلاب.

*تجميد التعليم*

ووجد الموظف الحكومي محسن الجابري، الأب لأربعة أبناء (أنثى و3 ذكور)، نفسه مكرهًا على إيقاف ابنته عن التعليم العام الماضي في منتصف المرحلة الإعدادية، في ظل تراكم الصعوبات المادية التي تواجهه لتجهيز 4 أبناء للعام الدراسي الجديد، بتكلفة مالية تصل في حدها الأدنى لأصغرهم سنًا فقط، إلى ما يقارب 50 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 27 دولارًا أمريكيًا.

ويقول الجابري بمرارة لـ”إرم نيوز”، إنه كان يتوقع توقف ابنته عن الدراسة لعام واحد، على أمل أن تتحسن الظروف في العام التالي، ولكن الأوضاع استمرت في التردّي، ما اضطره إلى تجميد تعليمها لعام آخر، في وقت يكاد فيه مرتبه الشهري يوفر متطلبات أسرته الغذائية، بينما يعمل بشكل إضافي في القطاع الخاص خلال الفترة المسائية، لتغطية إيجار منزله الذي يخشى ارتفاعه مستقبلًا بما يضاعف من عجزه.

وذكر أن أكبر أبنائه الثلاثة في عامه الدراسي الجامعي الثاني، وأصغرهم في آخر مراحل الإعدادية، ويعملون جميعًا بشكل دائم في المساء، لمساعدة الأسرة في احتياجاتها اليومية، وتوفير متطلباتهم الخاصة والشخصية.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، في تقريرها الصادر في مايو/ أيار المنصرم، فإن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني باتوا خارج المدارس، من إجمالي 10.6 مليون طفل في سن الدراسة، من مختلف مناطق البلاد.

*تهديد المستقبل*

ودشّنت وزارة التربية والتعليم لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، يوم أمس الأحد، العام الدراسي 2024/2025 للتعليم الأساسي والثانوي، في مختلف المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد أكثر من شهر على انطلاقته في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، شمالي البلاد.

وبحسب الوزارة، فإن أعداد المتقدمين لمقاعد الدراسة في العام الجديد، في المدارس الحكومية والأهلية، يصل إلى أكثر من مليونين و500 ألف طالب وطالبة.

يعتقد وكيل قطاع التعليم في وزارة التربية والتعليم، محمد لملس، أن الحالة المعيشية لبعض الأسر وصعوبة توفير متطلبات التعليم لأولادها وانخراطهم في العمل، أحد أبرز أسباب تسرّب الطلاب من المدارس، إلى جانب أسباب أخرى مرتبطة بتدهور العملية التعليمية، جراء الصراع المستمر على مدى 10 أعوام.

وقال لملس لـ”إرم نيوز”، إن إجمالي عدد الطلاب والطالبات الذين تسربوا من الدراسة في مناطق الحكومة الشرعية، يتراوح ما بين المليون إلى مليون ونصف، وأن على الحكومة القيام بواجباتها في تلافي هذه المشكلة التي تهدد مستقبل البلد.

وذكر أن الحرب أسفرت عن دمار عدد كبير من المدارس في ظل شح الإمكانيات، إلى جانب تسببها في عدم توفر الكتاب المدرسي وتوقف توظيف الكادر التعليمي، “وكل هذه العوامل ساهمت في تسرب وعزوف عدد من الطلاب والطالبات عن التعليم، والبحث عن فرص عمل مختلفة فيما انخرط بعضهم في السلك العسكري”.

وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم تبذل جهودًا كبيرة في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، “لإبقاء المدارس مفتوحة، وتوفير ما تستطيع من مستلزمات ومعلمين متعاقدين، وتبذل جهودًا في ترميم المباني المدرسية، حتى لا يتوقف التعليم”.

Left Menu Icon
الرئيسية