تم النشر بتاريخ 14 أغسطس, 2024
عبدالعزيز المنصوب
مشهد التسوية السياسية في اليمن مليئ بالمغالطات المنطقية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والاستراتيجية الكمية.. ومجمل المغالطات تعتمد او لعلها تتعمد انتاج واستغلال حالة الانقسام في العنصر الجنوبي تحديدا، وهو ما نفهمه من خلال اكثر من افتعال ومناورة تقوم بها دول الرباعية نفسها في المشهد الجنوبي على وجه الخصوص، بحيث تسهل على نفسها تمرير ما تراه على الجميع في مكونات الشرعية -جنوبية وشمالية- ما يعني ان الرباعية تتصرف وفق ذهنية “ادارة الأزمة” وليس “ادارة المخاطر” وهو ما يجعل من اي تسوية قادمة غير موفقة ولن يكتب لها النجاح من حيث المبدأ.
اما بكونها تتعمد استغلال حالة الانقسام والصراع الجنوبي المزمن “والمصادرة عليه ومغالطته سياسيا” فهو يجعل من اي نتائج مستحيلة وغير قابلة للتطبيق فعليا على الارض لاعتبارات كثيرة لا يحتمل تفصيلها هنا.. أهمها ان حقيقة المشكلة اليمنية برمتها قائمة على اسباب تأسيسية وبنيوية في الدولة منذ الوحدة اليمنية نفسها، وليس على “الانقلاب المفتعل” الذي يفترض انه طرأ على المشهد مع نهايات مخرجات مؤتمر الحوار الوطني (بفهلوة ومناورة حوثية عفاشية، يحسب للإصلاح هذه المرة أنه رفض ان يكون جزءا منها) والمبنية اساسا على محاولة اعادة انتاج مغالطة تاريخية أخرى تفضي الى تكرار المغالطة الاولى 90 – 94، والتي افضت الى المصادرة على الشريك حينها بمنطق القوة -التي كان الاصلاح جزءا منها حينها- ومصادرة الدولة لصالح القوى التقليدية نفسها، التي يبدو أنها في حالة مناورة أخرى يشارك فيها “الاقليمي والدولي مرة أخرى” من خلال تضخيم وتسويق الحوثي وتصويره على انه الطرف الاقوى في مقابل الشرعية كطرف ضعيف هزيل، ويأتي العنصر الجنوبي على هامش الطرفين، في حين يتم تجاهل الأسباب الحقيقية للمشكلة اليمنية المزمنة، والحلول المبنية على هكذا مقاربة “غير عادلة” ستكون بين طرفين “شماليين” احدهم يوقع باسم الشرعية والاخر باسم سلطة الأمر الواقع في صنعاء، وهو ما يعني اننا امام مكيدة ظالمة أخرى -لسنا متأكدين من تورط الشقيقة فيها- لكننا متأكدين قطعا من ان اي جنوبي سيشارك فيها – لاسيما اذا كان منفردا في ظل الانقسام- ليس اكثر من شاهد زور وسينتهي به الأمر مقصي او مغدور.
ولهذا ننصح ومازلنا منذ مدة بضرورة الذهاب نحو مصالحة وطنية جنوبية حقيقة تاريخية شاملة -كضرورة سياسية وحاجة استراتيجية ومصلحة وطنية- قبل الذهاب للمشاركة في اي تسوية كانت.. وعلى قوى المقاومة الوطنية الشمالية في وجه الحوثي ان تدرك ان المصالحة الجنوبية على عكس ما قد يتوهمونها، فهي تصب في المصلحة استراتيجية تاريخية للجميع طالما ان من شأنها ان تضع المحلي والاقليمي والدولي امام خيارين: (إما الدولة او دولة) “إما الدولة اليمنية او دولة الجنوب” إما الدولة التي لا سيد فيها ولا عبد ولا قوة الا بيد الدولة، دولة النظام والقانون، وبالتالي تحييد مركزها عن الحاضنة الطائفية الشيعية “الزيدية المتحورة” او استعادة دولة الجنوب التي لا يمكن لها ان تبقى رهينة صراعات ومناورات القوى التقليدية.
ان الذهاب نحو اية تسوية سياسية في ظل استمرار الانقسام الجنوبي لا يخدم اطلاقا إيجاد الدولة التي لطالما حلمت بها الاجيال من قبل ومن بعد الوحدة.. بل خدمة مجانية للقوى التقليدية وبالتالي مصالحها ومصالح الاقليم والعالم الظرفية والآنية.. وهذا يعني الكثير سلبا، ومما يعنيه استمرار انهاك الكل بالكل وابتزاز الكل بالكل وترويض الكل بالكل، من خلال استمرار الرهانات المغرورة والارتهانات المنظورة.
لا يوجد امام الفاعلين المحليين في اليمن اولا ولا الفاعل الاقليمي ثانيا ولا الفاعل الدولي ثالثا اي رهان حقيقي وطني اقوى ولا أجدى من الرهان على العنصر الجنوبي، والذي على الجميع ان يدرك انه لا يمكن الرهان عليه -اي العنصر الجنوبي- في ظل استمرار الانقسام، وقبل الذهاب نحو مصالحة وطنية جنوبية، تعيد المعادلة الى اصلها الطبيعي الذي يذهب فيه الكل الجنوبي الى الدولة من بوابة (وحدة القرار ووحدة المصير) وبالشراكة مع كل القوى المحلية الأخرى لاسيما التي تؤمن بعدالة القضية الجنوبية وأنها “قضية العدالة المنشودة والدولة المفقودة” وضرورة اعادة الاعتبار للجنوب ارضا وانسانا.
بغير هذا ستبقى تعقيدات المشهد السياسي والامني والعسكري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي قائمة ورهينة لسيناريوهات الحرب المتجددة والمتحورة، بفعل القفز على معطيات الواقع ومقاربات العقل والمنطق السليم.. وبالتالي أي محاولة تسوية سياسية لاحقا تصبح اكثر عسرا، لاسيما اذا استمر نظر الفاعل الاقليمي والدولي بنفس الاداء ونفس التعامل، الذي يلاحظ انه لا يكترث للمخاطر ولا مآلات بقاء الاسباب الحقيقية على حالها.. واستمرار التعامل مع النتائج الطارئة فقط، وبعيدا عن فهم سياقات التعقيدات، وهو ما يعد تكرارا للوقوع في شِراك الانحياز وهدر فرص أي إمكانيات لتحقيق التسوية التاريخية المتاحة والممكنة والمحتملة.
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع