من سلسلة قرأت لكم: الرئيس قحطان الشعبي ودوره السياسي 1951م -1969م

تم النشر بتاريخ 12 أغسطس, 2024

بعد أن أنهيت خدمتي العسكرية في مستشفى الصداقة اليمنية المجرية ( مستشفى صلاح الدين العسكري ) ، التحقت بالعمل في مستشفى مصافي عدن، وكان ذلك في نهاية العام 1980من القرن المنصرم . وفي أحد أيام العام التالي علمت أن شخصية مهمة نزيلة العنبر خمسة ، وكان الحرس يقفون خارج غرفته المنفصلة عن باقي غرف العنبر. لم تكن تلك الشخصية سوى الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية قحطان محمد الشعبي ، وهو أول رئيس جنوبي بعد الاستقلال من نير الاحتلال البريطاني، وقد كان حينها في إقامة جبرية فرضها عليه رفاقه في الكفاح المسلح . وبعد ايام قلائل علمت برحيله عبر الإذاعة.
ذكرياتي القليلة تلك هي من دفعتني لأن أقرأ بشغف محموم كتاب( الرئيس قحطان الشعبي ودوره السياسي 1951-1969م) للدكتورة حنان أحمد أبوبكر المرقشي.
وهو من إصدارات العام 2023 ، وقد تمت طباعته بدعم من مطابع الأديب.
الكتاب في الأصل عبارة عن رسالة قدمتها الكاتبة للحصول على شهادة الدكتوراة، وقد كان عنوان الأطروحة ( الدور الوطني للرئيس قحطان الشعبي 1951-1969م) ، ثم أحدثت الكاتبة تحويرا في العنوان عند طباعته ككتاب في متناول القراء، فأضحى الدور السياسي عوضاً الدور الوطني ، غير أن الكاتبة قد نسيت أنها وهي تعد الكتاب للقراء وليس للجنة المناقشة ؛ فأهملت حذف ذكر صفتها كباحثة ؛ إذ ورد هذا الوصف في طيات الكتاب مرات ومرات.
ولقد بذلت الكاتبة جهداً كبيرا في الإلمام بكل شاردة وواردة في حياة الرئيس قحطان الشعبي مما له تأثير مباشر أو غير مباشر على دوره الوطني والسياسي في جنوب اليمن إبان الاستعمار البريطاني ، قبل تبني الكفاح المسلح كخيار للاستقلال وبعد ذلك، وأثناء مباحثات جنيف مع وفد الاستعمار البريطاني ، حيث ترأس قحطان الشعبي وفد الجبهة القومية في هذه المباحثات. ثم عودته لعدن وإعلان الاستقلال.
قسمت الكاتبة الكتاب إلى ثلاثة فصول مسبوقة بمقدمة كتبها المستشار سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة الأسبق ووزير الخارجية الأسبق، متبوعة بتمهيد
هيأت فيه القارىء _ غير العليم_ ، لتتسنى له الإحاطة بدور الرئيس قحطان الشعبي وأهميته، عبر الحديث عن مستعمرة عدن والمحميات الغربية والشرقية ، من حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها.
ثم عرجت للحديث في الفصل الأول في مبحثه الأول عن شخصية الرئيس ذاته ، فأوردت معلومات مهمة في تكوينه الشخصي والثقافي والسياسي، من حيث مولده، وتعليمه، وصفاته، وخلفيته الفكرية. ونعلم من خلال عرضها أنه من مواليد قرية “شَعْب” أحد أودية منطقة طور الباحة عاصمة إقليم الصبيحة ، عام 1933 في أسرة ميسورة الحال ، ولد يتيماً وتربى في كنف عمه الشيخ عبداللطيف عبدالقوي الشعبي. التحق بالدراسة في عدن في مدرسة ” جبل حديد” التي كانت تعرف بمدرسة ” أبناء السلاطين”، وقد أنشأها البريطانيون لتعليم أبناء السلاطين وكبار الشيوخ.
تم ابتعاثه للدراسة في السودان في عام 1947، وأكما تعليمه هناك بتخرجه مهندسا زراعياً من كلية الزراعة بجامعة ” جوردون” في عام 1951 ، ليكون أول مهندس زراعي بين أبناء شبه الجزيرة العربية، والوحيد بين رؤساء اليمن جنوبا وشمالا الذي يحمل مؤهلا جامعيا ( حسب ماذكرته الكاتبة د. حنان المرقشي).
وفي المبحث الثاني ذكرت الكثير من التفاصيل التي يتضح للقارىء _من خلالها_ أن الحس الوطني والعروبي متجذر فيه ، فحين كان طالبا في السودان في العام 1948، شارك في إحدى المظاهرات في الخرطوم ، وقد كانت السودان حينها تحت نير الاستعمار البريطاني.
وفي خمسينيات القرن المنصرم ، كان واحدا من مؤسسي رابطة أبناء الجنوب العربي ، والتي تأسست –حسب قول الكاتبة- رداً على “تجربة الجمعية العدنية” ، و”جمعية حضرموت الكبري”.
وقد انفصل عنها في العام 1954 ليسعى مع زملاء له لتأسيس ” الجبهة الوطنية المتحدة”.
وعلى المستوى العروبي ، فقد كان قحطان الشعبي عضواً في حركة القوميين العرب التي تأسست كرد فعل على الهزيمة العربية عام 1967، وهي الحركة التي لقيت دعماً مباشراً من الرئيس جمال عبدالناصر ( رئيس الجمهورية العربية المتحدة) حينها ، لاسيما بعد العدوان الثلاث 1956.
وفي الفصل الثاني تناولت في المبحث الأول علاقته بثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن ضد الحكم الإمامي ، حيث كان قحطان الشعبي واحداً من القيادات ممن آزروا ثورة 26 سبتمبر1962، والتي اندلعت في شمال الوطن ضد النظام الإمامي آنذاك، بل إن الرئيس عبدالله السلال( أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية ) ، قد عينه مستشاراً له لشؤون الجنوب المحتل ، وكان يحق له حضور اجتماعات مجلس الوزراء ، والنقاش ، ولكن دون تصويت.
وفي المبحث الثاني تحدثت عن دوره في تأسيس الجبهة القومية
، إذ تم في أغسطس 1963 تشكيل لجنة تحضيرية مكونة من 11 عضواً ، أختير قحطان الشعبي رئيساً لها، وكانت مهمة اللجنة التحضير لتكوين الجبهة القومية ، وتحدثت بإسهاب عن دوره النضالي في الكفاح المسلح1963/1966، وعن دور قحطان الشعبي دولياً في إدارة الثورة المسلحة.
وجاء الفصل الثالث بمباحثه الثلاثة لتحدثنا د. حنان المرقشي عن الخلافات السياسية بين قوى الثورة المسلحة ، وهي الخلافات السياسية التي نشبت بين القوى السياسية في جنوب اليمن ، لاسيما بين جبهة التحرير والجبهة القومية ، وأثر القرار المصري بدمج الجبهتين في جبهة واحدة ، وأبرزت رفض قحطان الشعبي له علناً ، وهو الرفض الذي آزرته فيه القيادة العامة للجبهة القومية ، والذي قامت على إثره الحرب الأهلية بين أعضاء وأنصار الجبهتين ، ولقد كان صراعا دمويا مراً دارت رحاه في عدن في سبتمبر 1967.
ونظراً لوقوف قوى الجيش مصطفة مع عناصر الجبهة القومية ضد جبهة التحرير؛ فقد حسم الصراع لصالح الأولى؛ وبذا فقد ارتأى الاستعمار البريطاني أن الجبهة القومية هي القوة الوحيدة على الأرض، ولهذا فقد قرر إجراء مباحثات الاستقلال معها في جنيف.
وكان الفصل الرابع في المبحثين الأول والثاني، مفرداً للحديث عن مفاوضات الاستقلال الوطني ثم عن تحقيق الاستقلال وانتخاب قحطان الشعبي رئيسا ، فما أن انتهت المباحثات بين وفد الجبهة القومية والوفد البريطاني حتى عاد الوفد إلى عدن ، وفي مساء يوم الاستقلال أقيم مهرجان جماهيري ضخم في “مدينة الاتحاد” سابقاً ” مدينة الشعب” حالياً، ألقى فيه الرئيس قحطان الشعبي بيان الاستقلال، وتم عقب ذلك تكليف القيادة العامة له برئاسة الجمهورية وإعلان تشكيل الحكومة.
وفي المبحث الثالث أوردت مقدرة الرئيس قحطان محمد الشعبي وحنكته في إدارة الدولة داخلياً ً في المجالات المختلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وأمنيا وعسكريا، وذكرت علاقاته مع دول الجوار والدول العربية والدول الأجنبية أثناء فترة حكمه القصيرة ،وامتدت علاقات الدولة في أيامه غربا وشرقا وشمالا وجنوبا مع الدول العربية ، وكثير من دول العالم.
أما الفصل الخامس ، وهو الفصل الأخير فقد أوردت في مباحثه الثلاثة الخلافات السياسية الداخلية عقب الاستقلال والعقبات التي جابهته وأعاقت مساعيه في تحقيق مايصبو إليه ، وذلك بسبب العناصر المناهضة لسياساته ، وهي العناصر التي كان يصفها بالطفولية، والتي كانت تسعى للتوجه الماركسي ، والانحياز نحو الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي. وأوضحت فيه كيف تمت الإطاحة به بعد أن احتدمت الصراعات بين جناحي الجبهة القومية اليميني بقيادة الرئيس قحطان الشعبي بمعية رئيس الوزراء عبداللطيف الشعبي ، وجناح اليساربقيادة عبدالفتاح إسماعيل وعلي عنتر وغيرهما، وكانت حركة 20 مارس 1968 ، ثم أعقبتها أحداث 14 مايو من نفس العام ، وتلاحقت أسباب الجفوة والفرقة بين الفريقين، قرر إثرها الرئيس قحطان الشعبي ورئيس الوزراء عبداللطيف الشعبي تقديم إستقالتيهما حقناً للدماء وحفاظاً على اللحمة الوطنية، وتم قبول الاستقالتين في 22 يونيو 1969 ، أو ماعرف بيوم الخطوة التصحيحية.
انقلب الرفاق على رفيقهم في رحلة الكفاح المسلح ، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية ، وفرضت عليه الحراسة المشددة حتى وفاته في 7 يوليو 1981.

حوى الكتاب الكثير والكثير مما نحتاج لأن نعرفه عن جزء من تاريخ جنوبنا اليمني الحديث ، في مرحلة ماقبل وأثناء ومابعد الكفاح المسلح، وكذا الاستقلال، ومايجب أن تعرفه الأجيال عن أول رئيس وطني لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
من الأمور الجميلة التي حظي بها الكتاب إضافة 44 صورة للرئيس قحطان محمد الشعبي في أزمنة وأماكن مختلفة في مراحل شتى من حياته قبل الرئاسة وبعدها، داخل البلاد وخارجها.
ومما يعيب الكتاب أنه قد حوى كثيرا من الأخطاء النحوية والإملائية والطباعية ، وبعضاً من الأخطاء التاريخية التي نبهت إليها أنظار الكاتبة بصورة فردية ، والتي أرجو أن تتنبه لها في طبعة قادمة.

كمال محمود علي اليماني
————؛؛

الكتاب من تأليف : الدكتورة/ حنان أحمد أبوبكر المرقشي

Left Menu Icon
الرئيسية