اللاعبون استخدموا: التضخم الجامح وانهيار سعر الصرف كرافعة سياسية

تم النشر بتاريخ 23 يوليو, 2024

د. يوسف سعيد أحمد

عندما تنهار العملة الوطنية، وترتفع معدلات التضخم إلى المستوى الجامح، كما يحصل في بلادنا وخاصة في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى ومناطق أخرى تابعة للشرعية، فإنه وفقاً لذلك تنهار الأوطان، ويستطيع للاعبين المحليين والإقليميين والدوليين استخدام هذه المتغيرات الاقتصادية كرافعة سياسية، بعد أن تنتج مجموعات من الرابحين والخاسرين، وتدفع الناس إلى اتباع سلوكيات تتسم بالفوضى والرعونة وغياب القانون، واليقين على إثر زيادة مستويات الفقرة والفاقة، وتعمق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والدخلية إلى الحد الذي لا يطاق، وهي أمور تزيد من حالة انزلاق البلاد نحو المجهول.

لكن بالنسبة للاعبين، ووفقا للسيناريو الافتراضي الموضوع مسبقاً، فإنه يسهل عليهم وإلى حد كبير توقعها، مما يمكنهم في النهاية من إدارة الأزمة وترويض المجتمع وإقناعه بإنصاف الحلول السياسية والاجتماعية، واستخدام هذا المنحى وهذا الترتيب كسياسات لإعادة تموضع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ترتيب العلاقة بين الدائنين والمدينين والعمل ورأس المال، وما بوفرة ذلك كمدخل لحل النزاع، لكن غير المنصف..

فسلطة صنعاء وأولئك الذين خزنوا العملة الصعبة في الخارج وغسلوا الأموال ورجال المال الخليجيون، سيحصلون في النهاية على أصول رخيصة من الأراضي والعقار والمرافق الاقتصادية في عدن وحضرموت وفي المحافظات التي تكتوي بانهيار سعر الصرف وتعاني من معدلات التضخم الجامح، لأن أسعار الأصول في هذه المناطق تكون رخيصة مقيمة بأسعار صرف الدولار والريال السعودي المرتفعة، بما في ذلك عملة صنعاء، وإن كانت الاخيرة ينظر إليها كعملة صورية في غياب القوة الاقتصادية والموارد.

وفقاً لذلك وكخبير اقتصادي لا أستبعد أن موجة التصاعد المستمر في قيمة الدولار، والتراجع المستمر في قيمة العملة الوطنية الذي يمثل مستوى من الانهيار وما يرافقه من تضخم تدريجي مستمر في الأسعار، والذي يشبه التضخم الجامح، يأتي وفقاً لسيناريو الرافعة السياسية المخطط له مسبقاً.

ولذلك، وجدنا جيراننا الأشقاء في موقف نقيض من قرارات البنك المركزي، عدا أنهم لم يلتفتوا في نفس الوقت إلى أوضاعنا الاقتصادية ومستوى التردي المعيشي الذي وصل إليه غالبية السواد الأعظم من الناس، وفي المقدمة منهم أصحاب الدخل المحدود من جراء انهيار سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم، ولم يسارعوا في تقديم دعم اقتصادي حقيقي معتبر يعمل على تهدئة السوق والحد من التدهور.

وفي الأخير نراهم يفرضون ومن خلال وساطة المبعوث الدولي حواراً، وكشرط طلبوا التنازل عن قرارات البنك المركزي عدن تمهيداً لبدء مرحلة مقبلة جديدة، تتمثل في الدخول في مفاوضات على خارطة طريق تم وضعها والتباحث بشأنها بين المملكة ووفد سلطة صنعاء في أضواء خافتة.

وهكذا، وبناءً عليه أمرت الشرعية البنك المركزي بقيادة المحافظ المعبقي، التي رفضت في نفس الوقت استقالته، بالتنازل على قرارات البنك المركزي التي كانت قد وجدت ولأول مرة دعماً شعبياً واسعاً غير مسبوق.
لكن الشرعية – وهي متغير تابع وليس متغيراً مستقلاً – لا أحد يعول عليها، لأنها ببساطة لا تتصرف كند ولا تمتلك القرار وليس بيدها الخيارات، ولهذا أول ما تنازلت عن مطلبها الوحيد المتمثل في السماح باستئناف تصدير النفط قبل بدء أي حوار الذي كانت قد قدمته للمبعوث الدولي، واستحابت لطلب الأشقاء في المملكة والإمارات المتحدة، وهذا كان متوقعاً، فالبلدان ومعهما الولايات المتحدة وبريطانيا يمثلان الرباعية الراعين والماسكين بالملف اليمني.

وهكذا، وفقاً لمصالح الإقليم وليس لمصالح اليمن تجري ترتيبات بدء الحوار مع سلطة الأمر الواقع وفقاً لأجندة الأخيرة، مما يضع البلاد على أعتاب مرحلة قد لا تقود إلى سلام حقيقي أو الوصول إلى حل عادل.. وهناك شكوك أن تغيب القضايا الوطنية المفصلية وما يرتبط بها من توافق على شروط تضمن تأسيس دولة مدنية حديثة، بعيداً عن السلطة الدينية والعنصرية.

وفي نفس السياق، كل الخوف أيضاً أن تغيب القضية الجنوبية من أجندة المتحاورين، في ظل غياب الضمانات الدولية والإقليمية الوازنة.

استاذ الاقتصاد بجامعة عدن

Left Menu Icon
الرئيسية