تم النشر بتاريخ 15 يوليو, 2024
أمس الخميس كنت بصحبة الفنان ايوب طارش عبسي
وبصحبة الطبيب عبدالله عبد المجيد مسعود
طبيب العيون وعاشق الفنون
وصديق الشعراء والفنانين
وقبلهما وبعدهما كنت بصحبة االصديق الشاعر والانسان الجميل يحي الحمادي
وهو الذي قادني مشكورا الى منزل ايوب
كانت آخر مرة أبصرت أيوب فيها قبل سبع سنوات
عندما كان لي مقيل كل أربعاء يحضره أجمل الناس وأجمل الأصدقاء
وفي لقاءنا يوم امس الخميس كان ايوب على غير العادة فرحاً ومنفتحاً ومتوهِّجاً حتى انه ولاول مرة راح يمتطي آلة الزمن ويعود بنا الى قريته ويحدثنا عن ذلك الحب الذي عرفه في فردوس طفولته .
لكن البنت التي أحبها من قلبه زوجوها بابن عمٍ له و بعد زواجها توجَّع وتألم وبكاها وخرج من حبه لها منكسرالقلب حزينا ورغم ذلك لم يكرهها ولم ينسها وظلت مثل نجمة في سماء ذاكرته.
وقد شعرنا بالأمس وهو يبوح لنابحب طفولته بأن ذلك الحب هو كنزه الثمين وحجر الزاوية في جدار حياته وهو النبع الذي يعود اليه أيوب كلما شعر بالظمأ ومثلما ابكاه ذلك الحب وجعل دموعه تسيل وهو طفل أبكاه بعد ان كبر وجعل الأغاني تترقرق وتسيل من حنجرته مثل نزيف يتسرب من جرح. وبدا لنا بأن ذلك الحب الذي يسترجعه أيوب بتلك الحميمية وبكل تلك البراءة وكل ذلك الشغف كان أقوى من الموت وأكبر من أن ينساه ويتجاهله ويتخطاه فضلا عن انه كان بمثابة السماد الذي جعل روحه بهذه الخصوبة وبهذا الثراء والعطاء.
وفي الوقت الذي كان أيوب يتكلم عن حب طفولته كنت انا أشرد واسترجع صورة “معبد الفن والحب” الذي شيده الفنان أيوب طارش عبسي مع رفيقه الشاعر عبد الله عبدالوهاب نعمان وأ تساءل قائلا بيني و نفسي:
– ماذا لوان الفنان أيوب طارش ورفيقه الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان انخرطا في شبابهما بحزب من الأحزاب اليسارية ،القومية ،الإسلامية اوبأي جماعة من الجماعات!!
هل كانا سيتمكنان من تشييد هذا المعبد الفني الذي يوحد اليمنيين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومناطقهم!!
وفي لحظة شرودي تلك تخيلت أيوب وهو يغني للحزب، للجماعة، للطائفة ورأيته يصغر ويصغر ومعه يصغر الوطن ويضيق حتى بدا لي أضيق من جزمتي ومن ثقب الإبرة لكن أيوب وقد أبصرني شاردا وبعيدا قطع حبل شرودي وسألني عن شخص في قريتنا من نفس فصيلته إسمه : هزاع مقبل صالح
ومثل ايوب الفنان العابر للقرى والمناطق والمذاهب والطوائف كان هزاع مقبل طبيبا شعبيا عابرا للقرى يمضي من قرية الى اخرى يرمم الكسور كسور البشر وكسور البقر وكسور الدواب والبهائم ومن دون أن يفكر بالمقابل وكان وهو يجوب القرى يرمم اي كسر يصادفه في طريقه فإذا ابصر كسرا في الطريق.. حجراً قلقا يهتز اوحجراً خرج عن موضعه قد يسبب خطرا للعابرين توقف لتثبيته وإعادته الى موضعه .ولم يكن يقوم فقط بتجبير وترميم كسور الأعضاء وانما كسور النفوس والقلوب ومثل أيوب الذي أدخل الفرح الى كل بيت أدخل هزاع مقبل الفرح الى كل القرى والبيوت والى كل القلوب الحزينة والمنكسرة وماأن سألني ايوب عنه حتى تذكرت حب طفولتي وتذكرت الكسر الذي نتج عن وقوعي في الحب لكن الكسر الذي أصيب به أيوب من جراء حبه كان كسرا في القلب اما الكسر الذي أصبت به انا فكان كسرا آخر ولابد لكل من يقع في الحب أن يقع ويخرج بكسر اوبأكثر من كسر وبالنسبة لي فبعد وقوعي في الحب وقعت من فوق الحمار وانكسرت رجلي .
أيامها كان ثمة علاقة بين الحب والغناء وكان على كل من يحب ان يلفت انتباه البنت التي يحبها عن طريق الشبابة ” الناي ” اوعن طريق الغناء وعن نفسي كنت كلما مررت من تحت بيت البنت التي احببتها اغني لها أغنية علي الآنسي :
– “لنت الزجاج فانا كسيرك الماس ”
وذات يوم وكان الحمار في الجبل يرعى ذهبت قبل المغرب لأعيده للبيت وكان عاري الظهر ورغم شعوري بخطر ركوب الحمار وهو بدون وطاف الاأني ركبته وعندمروري من تحت بيت البنت التي أحببتها صادف ان كانت في السقف وبمجرد أن أبصرتها رحت أغني لها :
– “لنت الزجاج فانا كسيرك الماس”
وحتى اجبر الحمار على الجري بأقصى سرعته وأثبت لها بأنني حمّار ومحب وعاشق نكأتُ برأس ” الحُكَّال” جرحاً في مؤخرته ومن شدة الألم ثار الحمار ورفع قائمتيه الخلفيتين عاليا وقذف بي الى حولٍ تحت الطريق وكان مفخَّخاً بالزَّرْب ” الشوك ” وحين حاولت النهوض شعرت بألم شديد ومن شدة الألم رحت أصرخ وأبكي وبعد ان كانت حبيبتي تسمع صوت غنائي صارت تسمع صوت بكائي وكانت فضيحة العمر ذلك لأن فوطتي طارت وظهرت عورتي وانغرزالشوك في مؤخرتي لكأن الله اراد أن ينتقم للحمار الذي نكأت مؤخرته المجروحة وأوجعته وبعدئذ نقلوني بمحفَّة الى البيت واستدعوا هزاع مقبل صالح من قرية “كَلَبِيْن “ليعالجني لكن حكاية حبي الأول حكاية لانهاية لها وليس هنا مجالها فقط الشيئ الجدير بذكره هنا بعد جلستنا بالأمس مع ايوب الفنان هو أن أيوب الذي انفردنا به بالأمس في بيته داخله أكثر من أيوب واكثر من صوت واكثر من نغم واكثر من لحن واكثر من حكاية فضلا عن أن ايوب القروي البسيط واللامنتمي داخله وطن اجمل واكبر من وطن الأحزاب والجماعات والطوائف.
وطنٌ دمره الجميع ونسوه وتناسوه اسمه : اليمن.
عبد الكريم الرازحي