عوامل نجاح وفشل المحادثات اليمنية في الكويت

تم النشر بتاريخ 16 أبريل, 2016

يبدو ان مؤتمر محادثات الكويت، بين الحكومة اليمنية الشرعية، والانقلابين، المقرر عقده في 18ابريل الجاري، ياتي مختلفا عن سابقيه، مؤتمري جنيف 1-2 ،من حيث طبيعة الظروف والمتغيرات السياسية، والعسكرية، التي يمكن القول انها تصب في مصلحة انتاج فرص وعوامل ايجابية، قد تساهم في نجاح المحادثات القادمة لانهاء الحرب في اليمن، التي دخلت عامها الثاني، وسط ظروف واوضاع انسانية بالغة التعقيد، واعلان احلال السلام الدائم، لتهيئة الظروف الملائمة، لاعادة ترميم البيت اليمني، وتجاوز اثار الحرب، والبدء بتطبيع الحياة المدنية، وادارة عجلة التنمية، والشروع في عملية الاعمار لما دمرته الحرب.
وعلى الرغم من التفاءل الكبير الذي يجتاح اليمنين بنجاح مؤتمر الكويت، على عكس مؤتمري جنيف، الا ان هناك عدد من التحديات والعوامل التي قد تؤثر في فشل المحادثات المرتقبة، وتفويت الفرصة امام نجاح احلال السلام، وتعيد اليمنين من جديد الي مربع الحرب، الذي يتطلعون الي مغادرته، بفارغ الصبر، ويمكننا هنا اعادة قراءة فرص وعوامل نجاح، وفشل محادثات الكويت، في ضوء المتغيرات السياسية، والعسكرية، التي تفرزها الحرب الدائرة في البلاد منذ عام ونيف.
عوامل النجاح
هناك عدد من العوامل التي يتوقع كثير من المراقبين انها قد تؤثر في تعزيز فرص نجاح المحادثات المرتقبة في الكويت وابرزها:
-النجاحات العسكرية والامنية للشرعية والتحالف:كل النظريات في زمن الحروب، تقول ان النجاح العسكري على ارض المعركة، يقوي ويخلق الفرص الثمينة لتحقيق المكاسب السياسية على طاولة المفاوضات، اذا ما احسنت القوى المتصارعة توظيف نجاحاتها العسكرية بصورة ذكية، ومن هذا المنطلق، فان ما تحققه الشرعية اليمنية والتحالف العربي، من نجاحات عسكرية في ميدان المعركة، في مختلف جبهات القتال، يعزز من فرص نجاح المحادثات القادمة، لان هذه النجاحات تقلل الفرص، والخيارات، امام الانقلابين، وبالتالي تدفعهم للقبول بالمفاوضات والالتزام بمرجعياتها، وقواعدها، وهو الامر الذي يجعل الطرف الاخر المتمثل بالشرعية، والتحالف العربي، يحققان مكاسب سياسية، يأمل اليمنيون ان تصب في خلق السلام، واعادة بناء الدولة اليمنية الاتحادية على اسس ومرتكزات سليمة، تساهم في التغلب على الماضي، وفتح نافذة امل امام المستقبل الموعود والمأمول.
واذا ما استعرضنا تطورات المعركة على الارض فان الانتصارات التي حققتها المقاومة الشعبية والجيش الوطني، في محافظتي الجوف، ومارب، خلال اليومين الماضين، اثرت بشكل ايجابي في مسار المعارك ،واعطت دفعة قوية لاعادة تنشيط جبهة نهم 25كيلو شرق العاصمة صنعاء، وهي اهم جبهة عسكرية بامكانها ترجيح كفة الشرعية، والتحالف، او خفضها، وتقول المعلومات الميدانية ان مقاومة الجوف باتت على مقربة 3كيلو متر من محافظة صنعاء، حيث يتوزع الحزام القبلي المحيط بالعاصمة، والذي كان يوفر حماية كبيرة للانقلابين فيما مضى، لكنه مؤخرا انهار، واصبحت عدد كبير من القبائل، توالي الشرعية والتحالف، بفعل الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، في مختلف الجبهات، وتمكنهم من الوصول الي ابواب صنعاء.
وامس الأول قال قائد مقاومة الجوف امين العكيمي ان الجيش الوطني والمقاومة الشعبية باتا يطوقان العاصمة صنعاء معقل الانقلابين، وانه ليس هناك من خيار امامهم سواء تنفيذ القرار الاممي 2216 القاضي بالانسحاب وتسليم السلاح.. او انتظار الحسم العسكري، واجتياح العاصمة.
تضيق الخيارات امام الانقلابين تماما بناء على ما تحرزه الشرعية، والتحالف من انتصارات عسكرية، حيث من المتوقع ان يمنح استكمال الانتصار في تعز فرص اكبر لنجاح المحادثات، وترجيح كفة الشرعية، والتحالف، نظرا للاهمية الجيوسياسية التي تحتلها تعز ، فضلا عن تاثيرها الكبير، في معادل الربح، والخسارة، في كل التحولات التي شهدتها، وتشهدها اليمن، لذا فمن غير المنطقي ان تذهب الشرعية الي المحادثات القادمة، دون استكمال التحرير في تعز، واعلان انتصارها بالكامل، لان ذلك قد يضعف اوراقها، ويمنح الانقلابين فرصة جديدة للمناورة.
نجاح الخطة الامنية في عدن هو رصيد اضافي للشرعية، والتحالف العربي، حيث تمكنت قوات الجيش الوطني، بمساعدة تشكيلات من المقاومة الوطنية، على فرض سيطرتها على مديرية المنصورة، كبرى مديريات العاصمة المؤقتة عدن، وطرد وملاحقة العناصر المتطرفة، التي سيطرت عليها مستغلة الانفلات الامني، ونفذت عمليات اغتيالات طالت قيادات في الدولة، والجيش، والمقاومة، كما سطت على موارد المؤسسات، والمنشاءات الاقتصادية، فيها، ونهبت معدات واسلحة مختلفة، واثاث، وسيارات، وغيرها، تحت طائلة التهديد بالسلاح، لكنها ولت هاربة بعد تنفيذ الخطة الامنية الثانية، منتصف الشهر الماضي، والتي تكللت باحكام السيطرة على المنصورة، وهزيمة الجماعات المتطرفة، التي تصب افعالها في خدمة التحالف الانقلابي.
اذن استمرار الانتصارات العسكرية، والامنية، للشرعية، والتحالف، في مختلف المناطق اليمنية، يضيق من فرص المناورة امام الانقلابين، ويدفعهم للبحث عن السلام، والاستسلام، وهو ما يعزز من فرص نجاح مؤتمر الكويت المرتقب.
-الحوار بين المملكة والحوثين:التغير المفاجئ الذي حدث في سلوك جماعة الحوثي، والذي دفعها للذهاب للمملكة العربية السعودية، طلبا للسلام، هو احد العوامل المهمة، التي قد تساهم في نجاح محادثات الكويت، اذا ما علمنا ان تلك الخطوة، قد ساهمت في تليين موقف الحوثين بصورة كبيرة جدا، ودفعتهم لتقديم عدد من التنازلات مقابل التزام المملكة بدعم جهود السلام، ومن ابرز هذه التنازلات، هو التزامهم بتنفيذ القرار الاممي 2216، وهو ما تطالب به الشرعية، والتحالف، ومن خلفهم المجتمع الدولي.
المحادثات بين المملكة والحوثين، اثمرت عن ايقاف الحرب على الحدود، وتقديم المساعدات الانسانية لصعدة، وتغيير في الخطاب الاعلامي للحوثين تجاه المملكة،وتبادل الاسرى.. وهو ما عده مراقبون مؤشرات ايجابية، للوصول الي حل دائم للصراع.
-التغييرات الاخيرة:يرى مراقبون ان القرارات الاخيرة، التي اصدرها الرئيس هادي، سوف تسهم في نجاح المحادثات القادمة في الكويت، لاسيما بعد تعيين الجنرال علي محسن نائبا للرئيس، اذ وضع هذا القرار الانقلابيين امام خيارين لاثالث لهما، وهما:اما الموافقة على تنفيذ القرار الاممي، او انتظار الحسم العسكري.
عوامل الفشل
والي عوامل النجاح، التي ذكرناها انفا، توجد عوامل قد تؤدي الي فشل المحادثات في الكويت، ومن ابرزها:
-اشتراطات الانقلابين:بدأ واضحا ان جماعة الحوثي، والرئيس المخلوع، يحاولون وضع اشتراطات مسبقة امام المحادثات المرتقبة، الامر الذي قد يؤدي الي فشل هذه المحادثات، واستمرار الحرب، وترجيح خيار الحسم العسكري امام الشرعية والتحالف.
تشترط جماعة الحوثي، كما هو واضح في تصريح ناطقها الرسمي محمد عبدالسلام، تشكيل حكومة وحدة وطنية، بين الانقلابين، والشرعية، قبل بدء المحادثات، وهو الامر الذي سيلقى رفضا كما هو مؤكد من قبل الشرعية، والتحالف، ومن خلفهما الجيش الوطني، والمقاومة الشعبية، الذين يرفضون وضع الشروط امام المحادثات قبل الالتزام بتنفيذ القرار الاممي 2216، القاضي بانسحاب الانقلابين من المدن التي يحتلونها، بما فيها العاصمة صنعاء، وتسليم السلاح للدولة، واطلاق المعتقلين، وتحول الحوثين الي حزب سياسي، وخروج الرئيس المخلوع من المشهد، فانه لا معنى لاي حكومة وطنية، بدون تنفيذ بنود القرار الاممي، فضلا عن ان هناك من يرى في طلب الحوثين بتشكيل حكومة وطنية، امر مبالغ فيه، اذ من غير المعقول ان يتم اعادة انتاج الانقلابين في حكومة جديدة، او حتى في نصف حكومة، بعد كل الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب اليمني، وتدمير مقدراته، وتهديد امن المنطقة، خدمة لاجندة ايران، وان الامر المنطقي الذي يستحقونه بعد تنفيذ القرار الاممي، وهو الملاحقة القضائية، امام المحاكم الدولية، جزاء بما اقترفوه من جرائم، لا في اعادة انتاجهم في حكومة، وسلطة، جديدة، ليعودون متسلطين من جديد على رقاب اليمنيين، بدافع الانتقام، مسنودين بالنصر، الذي ستوفره لهم تسوية من هذا النوع.
الرئيس المخلوع يشترط اعادة انتاج اسرته من جديد في اي تسوية قادمة للحل في اليمن، ويفهم من خلال المهرجان الذي اقامه في ميدان السبعين يوم 26مارس الفائت، انه مصمم على العودة للسلطة التي فقدها في 2011 عبر ثورة شعبية، ولو من خلال نجله احمد، وهو الامر الذي سيرفضه اليمنيون عبر الشرعية، والتحالف، نظرا للاتهامات التي تلاحق قائد الحرس الجمهوري السابق، بمشاركته في جرائم قتل المتظاهرين السلمين في الحراك السلمي الجنوبي، وثورة الشباب الشعبية السلمية، ومساهمته في الاجتياح الاخير لعدن، والجنوب، وقتل جنود التحالف، والمقاومة، في مارب، وغيرها من المدن اليمنية، بالاضافة الي نهب السلاح، والاموال، التابعة للحرس الجمهوري، وهو الامر الذي جعله تحت طائلة العقوبات الدولية.
لذا فان شروط الانقلابين تبدو تعجيزيه، وتضع تحديات كبيرة امام نجاح محادثات الكويت، وتعد احد عوامل فشله، اذا ما اصروا عليها.
-تعديلات على القرار الاممي:هناك ايضا عامل اخر يمكن ان يؤدي الي فشل المحادثات، الا وهو اشتراط الانقلابين اجراء تعديلات على القرار الاممي، وابرز التعديلات التي يطالبون بها، هي حذف البند المتعلق بتسليم السلاح، وهو شرط تعجيزي، لا اعتقد ان الشرعية، والتحالف، سيقبلان به، لان بقاء السلاح في يد المليشيات، او الجماعات السياسية، يعد من اهم المعوقات التي تقف امام الاستقرار، واعادة بناء الدولة، لذا فان القرار الاممي اشترط تسليم سلاح المليشيات للدولة، بهدف اعادة ادماجها في العملية السياسية السلمية، وتهيئة الظروف امام بناء دولة لكل اليمنيين، بحيث تكون الدولة الموعودة هي المحتكر الوحيد للعنف، والقوة.
ومن هنا فان تمسك الانقلابين بشروطهم المذكورة انفا، سوف يؤدي بكل تاكيد الي وضع عراقيل امام المحادثات، قد تقود الي فشلها، وتبخر احلام اليمنيين في احلال السلام.
الضغط الدولي
قد يكون الضغط الدولي عاملا حاسما هذه المرة، اذا ما تمسكت الامم المتحدة، ومجلس الامن، بتنفيذ القرار الاممي 2216، الذي اصدروه تحت البند السابع، لايقاف الحرب في اليمن، ومعاقبة الانقلابين، وذلك اذا مالتزمت الاطراف الدولية ايضا بحقها في التدخل العسكري الذي يتيحه لها القرار المذكور، في حال رفض الانقلابين تنفيذه، اما اذا ظلت الاطراف الدولية تتعامل بمخاتلة، والكيل بمكيالين، تجاه الازمة في اليمن، فانها سوف تستمر بتوفير الغطاء للانقلابين، للاستمرار في جرائمهم، وتشجيعهم على وضع الشروط التعجيزية امام المحادثات، بهدف افشالها، ليظل اليمن ساحة صراع مفتوحة، ومستمرة، تستثمر فيها الاطراف الدولية، اعادة تسويق انتاجها من السلاح، رامية بمصلحة اليمنين، والمنطقة، عرض الحائط، وهو الامر الذي سيدفع التحالف العربي، الي مواصلة احلال السلام، واعادة الشرعية، ولكن عبر الحسم العسكري، وتقويض طموحات المليشيات المسلحة، وتقليم اظافرها،واحباط المطامع الفارسية في المنطقة، مهما كلف ذلك من وقت، وثمن.

تحليل خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام

Left Menu Icon
الرئيسية