تم النشر بتاريخ 27 أبريل, 2024
هناك ادعائين في الغالب ما يتم تكرارهما من وقت لآخر، الأول، يخرج من اليساريين وهو الإدعاء بأن “أبو الأحرار” الزبيري أنتمى إلى الإخوان. والثاني، خاص بالإخوان، وهو أن الزنداني تلميذ الزبيري الأنجب.
وعلى الصعيد الشخصي قمت بإعادة الإطلاع والقراءة الفاحصة لتراث الزبيري (شعرا وخطبا وكتبا ورسائل ومواقف)، ومن خلال فحصي للجهاز المفاهيمي وتحليل بنية المضمون وجدت أن كلا الإدعائين يفتقران للقرائن الموضوعية، ويمكن إيجاز الملاحظات الجوهرية في التالي:
1- كان الزبيري قاضيا نزيها وذكيا، وكان ذو تنشئة دينية لارتباط تعلم فنون القضاء حينذاك بالدين، ولو أراد التحول لرجل دين لكان ذلك في متناول يده، لكنه بدلا من ذلك اختط لنفسه طريقا وعرا وشاقا، وهو التمرد في وجه القديم بكل أشكاله وصوره، الموروث والثقافة والفكر ونظام الحكم، وبالتالي استحق بجدارة لقب أبو الأحرار، والتي تعني السياسي الثائر.
2-كان الزبيري خطيبا مفوها وشاعرا استثنائيا، وكان بإمكانه الترقي في بنية النظام، لكنه رفض، ويرجع ذلك الرفض لسببين، اولهما أن نفسه السوية ترفض الظلم، والثاني، أن فكره المستنير دفع به إلى الجهة المقابلة، وبالتالي، فإن صفة الرجعية التي يحاول البعض الصاقها به غير صحيحة.
٣-علي الصعيد الفكري، كان الزبيري ليبرالياً اسلامياً، إذ احتلت مفردة (الشعب) مكانة مركزية في فكره وشعره، ولقد كان جمهوريا بحق، بما ان الجمهورية هي حكم الشعب لنفسه بنفسه، كما كان ديمقراطيا ويؤمن بالمساواة، وكان متفتحا على الأمم المتحدة والعهد الدولي لحقوق الانسان، وقد أثر بشكل مباشر على صياغة أهداف الثورة، ولو أن الرجل كان معارضا لها ولمضمونها لكان بإمكانه معارضتها، وبخطاب واحد كان بإمكانه تأليب الشعب، لكنه لم يفعل وهذا دليل حاسم بأنه كان مؤيداً لكل مفردة فيها. وبغض النظر ان كان قد أنتمى سياسيا أو سعى لبناء حزب ذو توجه ديني، فإن ذلك لا ينتقص من فكره ونضاله.
٤-بشأن الادعاءات التي تزعم بأن الزنداني تلميذه، أود الاشاره الى انه في علم النفس مثلاً، يقال يونج تلميذ فرويد، أو ادلر أيضا، ويقال لقد انقلب هؤلاء على المعلم فرويد في عدد من الافكار، وبالتالي نفهم من ذلك أن فرويد كان رائداً في علم النفس ويتشارك مع تلاميذه أو زملائه نفس الاهتمامات (علم النفس)، ولكنهما يتفقان ويختلفان في عدد من المواضيع الرئيسية.. وفيما يتعلق بالزبيري والزنداني نجد بأن لا اهتمامات مشتركة بينهما، بل إنهما نقيضان لبعض.
فالأول سياسي ثائر والثاني داعية محافظ
والأول جمهوري يؤمن بحكم الشعب والثاني يؤمن بالحاكمية
والأول يؤمن بالدولة الوطنية والثاني يؤمن بدولة الإسلام (الخلافة).
الاول يؤمن بميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي لحقوق الانسان والثاني ساهم في إنتاج وثيقة مضادة للعهد الدولي لحقوق الانسان سميت “حقوق الإنسان في الإسلام”، واذكر انها كانت من ضمن المقرر الجامعي سنة اولى.
الاول كان يؤمن بضرورة وجود دستور منذ اربعينيات القرن الماضي، والثاني كان معاديا للدستور.
ومع كل محاولة لإعادة إخراج الزبيري من مرقده نكتشف بأنه أعظم وأكبر من أن يتم الانتقاص منه، وأن ما تركه بين أيدينا كالذهب، كلما مر الزمن إرتفعت قيمته.
وليد الاباره
من صفحة الكاتب على فيس بك