تم النشر بتاريخ 5 فبراير, 2024
د. يوسف سعيد أحمد
انقسام النظام المالي والنقدي في اليمن ألقى بظلاله على معيشة السواد الأعظم من السكان. وشكل فارق سعر الصرف بين عدن وصنعاء وتناقض واختلاف السياسات النقدية معضلة كبيرة زادت من سوء الأوضاع.
ويودي فارق سعر الصرف إلى ارتفاع تكلفة المبادلات والتحويلات، لكنه يعمل لصالح سلطة صنعاء وليس بالضرورة لصالح سكان المناطق التي تقع تحت سلطتها، ونظراً لتميز المناطق هناك بخصوبة التربة واعتدال المناخ والكثافة البشرية مما أكسبها ميزة نسبية في تصدير المنتجات الزراعية إلى مناطق الشرعية، وتعد سلعة القات أكثر السلع قيمة.
وتستفيد صنعاء من وجود المقرات الرئيسية للبنوك والمؤسسات المالية والتجارية والكتلة المالية فيها، ولذلك ظل فارق سعر الصرف يصب لمصلحتها.
فالسلع الزراعية المصدرة إلى مناطق الشرعية ومنها عدن تباع بعملة مناطق الشرعية، لكن قيمتها تحول يومياً إلى الريال السعودي، وهذا يشكل ضغوطاً قوية على الطلب على قيمة الريال السعودي تحديداً، وحتى الدولار في مناطق حكومة الشرعية الذي تحدد قيمته حسب ٱلية العرض والطلب، لكن في سوق ينحو للمضاربة في أسعار الصرف في ظل ضعف نفاذ القانون، كانعكاس لضعف أو لغياب مؤسسات الدولة المناط بها تنفيذ القانون.. وبهذا يقوم التجار المصدرون من مناطق سلطة صنعاء إلى عدن ببيع سلعهم أخذاً بعين الاعتبار فارق سعر الصرف، والقيام بعمليات تحويل ومصارفة لقيمة مبيعاتهم عبر شركات الصرافة، حيث تحول قيمتها بالريال السعودي في مناطق الشرعية، وترسل إلى مناطق سلطة صنعاء بأسعار السوق اليومية للريال السعودي، عبر شركات الصرافة أو عبر النقل البري، وأحياناً يقوم بعض المصدرين الزراعيين بالاحتفاظ بجزء من قيمة سلعهم في حساباتهم لدى فروع شركات الصرافة في عدن، تستخدم لمواجهة الاستيراد أو في عمليات المضاربة بسعر الصرف بابتغاء التربح والإثرياء.
فارق سعر الصرف أصاب العمالة القادمة من المناطق الشمالية العاملين في مناطق الشرعية، والذين يستلمون رواتبهم بالريال المصدر من قبل البنك المركزي عدن، ويرسلون رواتبهم إلى أسرهم إلى مناطق سلطة صنعاء على إثر وصول تكلفة خدمة التحويل إلى أكثر من أربعين في المائة من قيمة التحويل، وتتعاظم التكلفة مع كل متغير يومي يحدث في سعر الصرف وهو اتجاه يأخذ مساراً تصاعدياً عندما يتعلق الأمر بقيمة الدولار والريال السعودي، مع بقاء عوامل وأسباب الأزمة الاقتصادية ثابتة على حالها.
ويمكننا القول مجدداً وثانياً وثالثاً إن نظام سعر الصرف الثابت المعتمد في صنعاء هو سعر صرف صوري “غير حقيقي”، وهذا شيء معروف حيث صمم السعر كي يؤثر على عمليات المبادلات بين عدن وصنعاء في نطاق الحرب الاقتصادية، لكنه لا ينعكس إيجابياً على أسعار السلع والخدمات في مناطق سلطة الحوثيين، فأسعار السلع هناك تباع بأسعار أعلى من أسعار مثيلتها في مناطق الشرعية.
ونستنتج في النتيجة أن فارق السعر في مضمونه يؤثر سلباً على معيشة الناس في مختلف المناطق..
في محاولة لوضع الحلول لمشكلة الانقسام المالي والمصرفي واختلاف أسعار الصرف والعملة المتداولة، وإطلاق موارد النفط والغاز للتخفيف من الأزمة، وفي ضوء خارطة الطريق التي أعلنت المملكة الوصول إليها مع سلطة صنعاء.
ورغم التشويش الذي تركته أحداث البحر الأحمر على أي جهود جادة.. تجري في الرياض مباحثات غير معلنة وربما غير رسمية بين عدن وصنعاء، وتضم ممثلي الجهات والمؤسسات ذات العلاقة من الجانبين، بهدف أولاً جس النبض واختبار النوايا، ولكن سعياً للوصول إلى اتفاق لتوحيد المؤسسات النقدية والعملة، أو على الأقل كمرحلة أولى الاتفاق على تنسيق السياسات النقدية والمالية، لكن في ظل التعنت فإن المسار قد يكون صعباً والطريق سيكون طويلاً ومعقداً، ومع ذلك نأمل أن توفق وتكلل هذه الجهود وتصل إلى الأهداف والغايات المرجوة.. وإن حدث هذا فسيكون ذلك أول اختراق داخلي، وبدعم فعال إقليمي ودولي منذ بداية الحرب للوصول إلى انفراج يصب مباشرة لمصلحة المواطن الذي اكتوى بنار الأزمة الاقتصادية والإنسانية.
استاذ الاقتصاد بجامعة عدن
مركز مسارات للإستراتيجيا و الإعلام موقع اخباري متنوع