القدس العربي: تسع سنوات ومشكلة كهرباء ومياه عدن تتفاقم: الفساد و«التوظيف السياسي» على رأس قائمة الاتهام

تم النشر بتاريخ 17 نوفمبر, 2023

أحمد الأغبري

صنعاء ـ «القدس العربي»: تسع سنوات وسكان عدن يعانون من تفاقم حرمانهم من استقرار خدمتي الكهرباء والمياه؛ وهي مشكلة يتمدد تأثيرها إلى حقوق أخرى. وهو ما حذرت منه منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها الصادر أمس الخميس، الذي اتهمت فيه الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بالتقصير إزاء تلبية حق سكان المدينة في الكهرباء والمياه، وحملتهما مسؤولية إيجاد الحلول اللازمة.
في السياق ذاته، تحدث الصحافي باسم الشعبي، عما اعتبره فساداً يعيق معالجة مشكلة الكهرباء في المدينة، مطالبًا بإيقاف ما سمّاه التوظيف السياسي، و»العمل بالحلول التي تقدم بها مختصون؛ فذلك كفيل بوضع حد لمعاناة الناس التي بلغت الحلقوم» حد تعبيره.
وأشار تقرير «هيومن رايتس» إلى أنه منذ بدء النزاع في اليمن، يواجه سكان عدن، وهي أكبر مدينة في جنوب البلاد والعاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية منذ 2015، قيوداً متكررة ومتزايدة على المياه والكهرباء وانقطاعات لهذين الموردين.
وذكرت المنظمة الحقوقية الدولية أن هذه الانقطاعات تؤثر سلبًا على حقوق السكان في الصحة والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية المتعلقة بمستوى معيشي لائق، بما فيها السكن اللائق، والمياه الآمنة والكافية، والصرف الصحي المناسب.
وقالت نيكو جعفرنيا، باحثة شؤون اليمن والبحرين في المنظمة: «ينبغي للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الالتزام بتوفير ما يكفي من المياه والكهرباء الكافية في عدن. ومع ذلك، عندما احتج السكان على الانقطاعات، ردت قوات الأمن عليهم بإطلاق النار».
وأشارت إلى أنه في السنوات التسع التي تلت بدء النزاع، تدهورت إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والكهرباء الكافية في المدينة. ونقلت عن أحد سكان عدن قوله: «منذ 2015 ونحن نعاني، والأمر يزداد سوءا».
باسم الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجية والإعلام بعدن، ورئيس اللجنة التحضيرية لما يُعرف بالتيار الوطني للتصحيح والبناء، اعتبر في حديث إلى «القدس العربي» تقرير المنظمة «لفتة مهمة، إذ هي أول منظمة دولية تتحدث عن قضية مهمة تمس سكان العاصمة عدن، وهي قضية الخدمات، التي باتت تشغل الناس كثيرًا بسبب وضعها المتردي، لاسيما الكهرباء التي، وصلت ساعات الانقطاعات خلال الشهر الماضي من 18 إلى 20 ساعة في اليوم في ظل فصل الشتاء، الذي يُفترض أن تتحسن فيه الخدمة، لكن الأمر يزداد سوءاً بسبب الفساد والعبث في هذا الملف الهام» حد قوله.
وذكر أن مشكلة الكهرباء في عدن يقف وراءها الفساد؛ وهي المشكلة التي سبق وتبناها التيار الوطني للتصحيح في شكوى وجهها للنائب العام، وقال: «نحن في التيار الوطني للتصحيح والبناء تقدمنا الأسبوع قبل الماضي بشكوى للنائب العام ضد حكومة الشراكة، ولخصت الشكوى المشكلة، التي يعانيها قطاع الكهرباء في عدن، وهي الفساد الذي يلتهم الموارد المرصودة لتشغيل محطات الطاقة سواء الحكومية أو الخاصة. هناك من مليونين إلى ثلاثة ملايين دولار تُصرف يوميًا لشراء وقود المحطات لتشغيلها ثماني ساعات في اليوم، وفق حديث إعلامي سابق لرئيس الحكومة ووزير الكهرباء، والواقع أن ساعات التشغيل انخفضت من ثماني ساعات إلى أربع يوميًا، والمبلغ المرصود ما يزال يُدفع من خزينة الدولة (…) الشكوى المقدمة من تيار التصحيح طالبت بالتحقيق في الفساد ونهب المال العام، وعمل معالجات للطاقة المستأجرة، وإعادة تفعيل لجنة المناقصات الخاصة بشراء الوقود؛ لأن الوقود يتم شراؤه بالأمر المباشر دون مناقصات؛ وهذا باب فساد ونهب لأموال الدولة» حد تعبيره.
وطالب الشعبي بتجنيب ملف الكهرباء ما سمّاه «التوظيف السياسي» من قبل القوى المختلفة. وفيما يتعلق بالحلول والمعالجات قال: «هي معروفة وتقدم بها مختصون، لكن لا توجد إرادة سياسية لمعالجة هذا الملف إلى الآن بينما المعاناة تتفاقم».
وحسب تقرير «هيومن رايتس ووتش» فقد تحدثت المنظمة مع 26 شخصًا، بعضهم نازحون، يعيشون في قرية صغيرة قرب وسط المدينة، ومع الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، حول الحصول على المياه والكهرباء والدعم الحكومي. كما أجرت المنظمة مقابلات مع أشخاص في أحياء مختلفة وجمعت أدلة على نقص المياه والكهرباء في مناطق مختلفة من المدينة.
ووفقًا للتقرير، «قال العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنه قبل بدء الحرب في 2014، كان سكان عدن يتمتعون بإمدادات شاملة، ومنتظمة، وبكلفة معقولة من الكهرباء والمياه. والآن، يحصل العديد من السكان على المياه من الشبكة العامة مرة واحدة فقط كل يومين أو ثلاثة أيام، أو لا يحصلون عليها إطلاقا».
وأشار إلى أنه في يوليو/ تموز وأغسطس/آب 2023، لم تتمكن شركة إنتاج الكهرباء التي تُديرها الحكومة من توفير الطاقة إلا لحوالي أربع إلى ست ساعات يوميًا للعديد من سكان المدينة. ومع ذلك، كان هذا تحسنًا مقارنة بشهر يونيو/ حزيران، عندما كانت تتوفر الكهرباء للعموم لحوالي ساعتين أو ثلاث ساعات يوميًا، ما حرم العديد من الأسر من تكييف الهواء المناسب في ظل الحرارة الشديدة.
يتراوح متوسط درجات الحرارة في الصيف في عدن بين 27 و36 درجة مئوية، وغالباً ما تصل إلى 38 درجة مئوية، بالإضافة إلى متوسط رطوبة يبلغ 65%، وتنتج الحالة بانتظام مؤشر حرارة خطيراً على صحة الإنسان، خاصة على الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وأكدت المنظمة الدولية أن «المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، كسلطتين حاكمتين في عدن، ملزمان بحماية وإعمال حق سكان عدن في الماء والكهرباء». «في أغسطس/آب، نشر مجلس النواب التابع للحكومة اليمنية تقريرًا خلص إلى أن وزارة الكهرباء تعاني من استشراء الفساد».
وقال أحد السكان الذي يعيش في وسط المدينة ويمكنه استخدام الخدمات العامة بشكل أكبر نسبيًا من العديد من سكان المدينة الآخرين، لـ هيومن رايتس ووتش: «أثناء الحرب كانوا يقطعون المياه، لكن الوضع اليوم مختلف؛ إنه أمر لا يصدق. لا تصلنا الماء كل يوم. نحصل عليها كل يومين. هناك خمسة أشخاص في عائلتنا الصغيرة. المياه التي تصلنا بالكاد تكفي هذين اليومين».
وذكر التقرير أن النازحين يحظون بفرص أقل للحصول على المياه. قال مدير أحد أكبر مخيمات النازحين في المدينة إن المخيم يعتمد على المنظمات غير الحكومية للحصول على المياه.
وتطرق إلى تأثير حرمان السكان من الكهرباء على حقوق أخرى كالتعليم. وقال: «عدم توفر الكهرباء بشكل منتظم له تأثير سلبي على التعليم». ونقل التقرير عن معلم يعيش في عدن: «إن نقص الكهرباء اللازمة لتشغيل المراوح أو مكيفات الهواء خلال الحر أدى إلى «صعوبة استيعاب الطلاب للمعلومات. الأثر النفسي (على الطلاب) حقيقي جداً. فالكهرباء حاجة أساسية للتعليم، كما هو حال وجبة الغداء».
وقال العديد من العاملين في الخدمات الصحية في مديرية التواهي بعدن، إن «الطريقة الوحيدة التي تمكنوا من خلالها من مواصلة العمل هي استخدام التمويل من المنظمات غير الحكومية لشراء الوقود لمولدات الديزل الخاصة، وكذلك ألواح الطاقة الشمسية التي حصلوا عليها كتبرعات من هذه المنظمات. تتذكر طبيبة أنها سارعت إلى إنقاذ طفل خديج في حاضنة عندما انقطعت الكهرباء عن وحدة حديثي الولادة حيث تعمل».
واندلعت احتجاجات عدة في عدن خلال فصل الصيف، حيث طالب السكان بتوفير المزيد من الكهرباء. وقال «مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية»: «استخدمت الشرطة (التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي) القوة لتفريق المتظاهرين ومنع مزيد من الاحتجاجات». وقالت المنظمة إنها تحققت من فيديوهات أظهرت قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين.
وذكر التقرير أن المنظمة راسلت وزارتَي حقوق الإنسان في المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. ورد المجلس على الرسالة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً إنه ليس له سلطة على الكهرباء أو الماء في عدن. «ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن المجلس يتمتع بالسيطرة الفعلية على عدن، بما يشمل الكهرباء والمياه. ولم ترد الحكومة اليمنية».

Left Menu Icon
الرئيسية