الانتخابات التركية..عندما تكون صناديق الاقتراع بديلة عن صناديق الذخيرة

تم النشر بتاريخ 15 مايو, 2023

لم تكن الانتخابات التركية هذه المرة كأي انتخابات في العالم _ إذا استثنينا الانتخابات الأمريكية_ ، حيث حشد العالم لها حشدا كبيرا، فأمريكا وأوروبا تدعم مرشح المعارضة كمال أوغلو، بينما الشعوب العربية وروسيا والصين تدعم السيد رجب طيب أردوغان، وبات الناس ليلة البارحة أمام الشاشات يتابعون التغيرات المتسارعة في النتائج، وكأن العالم بات على قدمية ينتظر النتيجة النهائية، ولكن النتائج جاءت لتؤكد أن هذه المعركة صعبة ومصيرية، وكان الشعب التركي هو بطل ميادين هذه المعركة الكبرى التي لم تشهد لها تركيا مثيلا منذ مائة عام مدة تأسيس الجمهورية التركية، ضف إلى ذلك أن نسبة المشاركة والتي تزيد عن (80 ٪) لم تشهدها أي انتخابات نزيهة في العالم، بما يؤكد أن الصراع كان شديدا وأن المغالبة كانت صعبة.
خلصت النتائج إلى الذهاب إلى جولة ثانية ستكون بالتأكيد أصعب من الأولى، لأن حركة التحشيد ستكون فيها أكبر وأعنف، أكثر من خمسين مليون تركيا ينزلون إلى ميادين النزال الإنتخابي وكلهم يعض على أسنانه متحفزا لفوز مرشحه.
وأنا أتابع هذه المعركة خطر في بالي خاطر جعلني أتخيل أن هذه المعركة على السلطة كانت بالمدفع والدبابة والطائرة، السنة التاريخية المتبعة في الصراع على السلطة منذ فجر تاريخ البشرية، والتي لم يسلم من منها الفرس ولا الروم ولا الإفرنج ولا المسلمون(باستثناء فترة الخلفاء الراشدين).
كيف سيكون حال تركيا مع هذا التحشيد والتعبئة الكبيرة، وكأني بالشوارع وهي مليئة بجثث القتلى والبيوت تتهدم على رؤوس أصحابها والجيوش تتزاحف ضد بعضها البعض والنازحون يهرعون إلى دول الجوار والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية والصناعة والاقتصادية تنهار مبنى ومعنى وتعود تركيا إلى العصور الحجرية.
لا تستبعد اخي الكريم هذه الصورة فهذا كان حال الأمم في حسم مسألة السلطة، *السلاح لا غير السلاح* حتى قال الشاعر بعد موت أبي ليلى معاوية بن يزيد:
إني أرى فتنا تغلي مراجلها
والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

فكانت تلك هي سنة الصراع *(الملك لمن غلبا)* وهكذا خسرت الأمم الكثير من رجالها وأموالها وأحلامها وقوتها، فضعفت وتسلط عليها أعداؤها، ولو قرأت تاريخ أي إمبراطورية من إمبراطوريات العالم لوجدت أن سبب ضعفها وتفككها وهزيمتها هي الحروب الأهلية( الصراع على السلطة) .
ومن قرأ التاريخ الإسلامي لأدرك ماذا جنى الصراع على السلطة على الأمة الإسلامية وماذا جرعها من الدماء والفرقة والذل والهزيمة وضياع كثير من شرائع الدين وكثير من محاسن الحياة.
وكان هذا الصراع طبيعيا لأن حال الأمة تحول من خلافة راشدة إلى ملك عضوض وسنة الملك هي الغلبة، وهذا ظهر جليا في صراعات الدولة الأموية مدة ٩١ سنة ثم مدة الدولة العباسية فضلا عن صراعات الأندلس والسلاجقة والموحدين والخوارزميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين.
وأنا أتابع الصراع المحتدم في المدن التركية حول صناديق الاقتراع تمنيت أن الصراعات على السلطة والتي دمرت الأمة وأسلمتها لأعدائها تمنيت أنها حسمت عبر صناديق الاقتراع لا عبر الجيوش والزحوف والسيوف.
هذا النظام الإنتخابي مع كل مساوئة لا شك أنه أفضل من قطع الرقاب وقتال الإخوة وسفك دماء الأمة الواحدة، ثم حينها الشعب يختار من يظن أنه يوفر احتياجاته ويحقق طموحاته.
حقا أن صندوق الاقتراع فكرة عبقرية تستحق أن تكون بديلة عن حكايات الماضي الأليمة حتى يأتي الله بأمره وتعود الأمة إلى رشدها وتصيغ لها عقدا اجتماعيا ينبثق من كتاب ربها ومن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
.
كتب/ ابو زين ناصر الوليدي
.كاتب وباحث

.

Left Menu Icon
الرئيسية